عندما تفكر قيادتنا هكذا فهذا هو سبيل الوصول الناجح والمشروع الإسلامي الحق
دروس في العمل السياسي الإسلامي(4) عبد المجيد مناصرة
التاريخ: الأثنين 02 أكتوبر 2006
الموضوع:
الدرس الرابع: دعوتنا سياسة.. وسياستنا دعوة
عبد المجيد مناصرة
يثور جدل كبير في بعض ساحات العمل الإسلامي منذ مدة، حول تصنيف الأعمال الإسلامية والتفاضل بينها، والأخطر هو الفصل بينها، كالدعوة إلى الفصل بين الدعوي والسياسي.
ويتحول الجدل أحيانا إلى عامل إرباك للعاملين، وعنصر تشويش على الدعوات وموضوع استقطاب للشباب خارج دائرة العمل السياسي الإسلامي.
وبنظر بعض هؤلاء المجادلون إلى السياسة نظرة تدنيس واحتقار وإلى الدعوة نظرة تقديس واحترام، وبناء على هذه النظرة يدعو هؤلاء إلى ضرورة الفصل بين السياسي والدعوي .. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى ضرورة التأكيد على أن دعوتنا سياسة وسياستنا دعوة.
لماذا هذا الفصل؟
في الدول التي تعيش حالة من التحول الديمقراطي وهوامش من الحرية تسمح للإسلاميين بالمشاركة السياسية يتكون شعور عند البعض بغلبة السياسي على الدعوي يتحول بالجدل والتقاط أخطاء الممارسة السياسية إلى رد فعل يدفع نحو إعادة توزيع النسب والأولويات بين الأعمال، وهنا تقع الأخطاء التي قد تتحول إلى خطايا.
وفي بعض التجارب التي اصطدمت بالأنظمة انكفأ بعض الدعاة على أنفسهم منسحبين من ساحة الفعل السياسي المعارض الذي يكلف الحياة ويقطع الأرزاق إلى ساحة الممارسة الدعوية الهامشية، ولكي يكون الانسحاب مقنعا يقدم بين يديه فلسفة في العمل الإسلامي تفصل بين السياسة والدعوة ولا ترى من مهمة للحركات الإسلامية إلا دعوة الناس وتعريفهم بالإسلام بالنصح والإقناع وهي نفس القناعة التي دفعت الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي إلى التهوين من العمل السياسي الإسلامي بقوله "فأما التكتيكات الحركية التي يخوض أصحابها ساحة منافسات ومسابقات إلى كرسي الحكم ومراكز النفوذ، فهي أبعد ما تكون عن حقيقة الدعوة إلى الله التي أمر الله بها في محكم كتابه، وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصاياه وأحاديثه"(1)
أما الدكتور القرضاوي فقد كتب منتصرا لفكرة الجمع بين السياسي والدعوي إذ يقول: "وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم سياسيا، بجوار كونه مبلغا ومعلما وقاضيا، فقد كان هو رئيس الدولة، وإمام الأمة، وكان خلفاؤه الراشدون المهديون من بعده سياسيين على نهجه وطريقته، حيث ساسوا الأمة بالعدل والإحسان، وقادوها بالعلم والإيمان.
ولكن الناس في عصرنا وفي أقطارنا خاصة، من كثرة ما عانوا من السياسة وأهلها، سواء كانت سياسة الاستعمار أم سياسة الحكام الخونة، أو الحكام الظلمة، كرهوا السياسة، وكل ما يتعلق بها، وخصوصا بعدما أصبحت فلسفة ميكيافيلي هي المسيطرة على السياسة والموجهة لها، حتى حكوا عن الشيخ محمد عبده أنه –بعدما ذاق من مكر السياسة وألاعيبها ما ذاق – قال كلمته الشهيرة : (أعوذ بالله من السياسة، ومن ساس يسوس، وسائس ومسوس!)
ومن ثم استغل خصوم الفكر الإسلامي، والحركة الإسلامية بغض الناس للسياسة، وضيقهم بها، ونفورهم منها، ليصفوا الإسلام الشامل المتكامل الذي يدعوا إليه الإسلاميون اليوم بأنه (الإسلام السياسي).
ولقد أصبح من المألوف الآن: وصف كل ما يتميز به المسلم الملتزم من المسلم المتسيب بأنه "سياسي"! ويكفي هذا ذما له وتنفيرا منه" (2)
جريمة الفصل بين الدعوي والسياسي:
في فائدة من هذا الفصل؟ هل في فائدة الإسلام أم في فائدة الحكام؟
وهل هو في فائدة الأحزاب الإسلامية أم في فائدة الأحزاب العلمانية؟ ثم هل هذا الفصل هو إنقاذ الدعوة من خطايا السياسة أم هو لتحرير السياسة من ضوابط الدعوة؟
ليست كل دعاوى الفصل على نفس الدرجة، فهناك:
1- الفصل الشامل الذي يتأسس على مفهوم العلمانية الشاملة وهو الفصل بين الدين والحياة.
2- الفصل السياسي الذي ينادي به من يرى في الإسلام منافسا فيدعو إلى إخراج الإسلام من السياسة أي الفصل بين الدين والدولة.
3- الفصل الدعوي الذي ينادي به بعض الدعاة لحماية الدعوة من السياسة وتقلباتها ومآلاتها، أي الفصل بين الدعوة والسياسة.
4- الفصل التنظيمي الذي ينادي به دعاة التخصص على أن تكون هناك تنظيمات خاصة بالسياسة وتنظيمات خاصة بالدعوة بدون جامع بينهما من رؤية ووجهة وخطة، أي الفصل بين الجمعية والحزب.
5- الفصل الشخصي الذي يدعو الدعاة إلى الابتعاد عن السياسة الحزبية وغير الحزبية باعتبارهم أكبر منها ويمثلون مراجع للأمة وناصحين للحكام لا معارضين لهم، أي الفصل بين الداعية والسياسة.
مع الجزم باختلاف القصد والرؤية والهدف والعمل بين هذه الأصناف الداعية إلى الفصل بين السياسي والدعوي فإنها تلتقي كلها في نتيجة واحدة وهي "تجفيف منابع العمل السياسي الإسلامي وإضعافه" بتجريده من عناصر قوته كالمرجعية الإسلامية واجتماع جهود القائمين على العمل الإسلامي في رؤية جامعة، وبحرمانه من بعض العاملين ومن سواد الناس وتأييدهم وأصواتهم في مراحل المنافسة السياسية مع الآخرين.
وحتى أولئك الذين يضنون أنهم مصلحون فإن عملهم لن يؤتي ثماره في ظل ترك مجال السياسة والحكم لغير الصالحين.
وقد قال الشاعر قديما:
وهل يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
وهذا ما يؤكده الأستاذ الشهيد حسن البنا في قوله: "والمصلح الإسلامي إن رضي لنفسه أن يكون فقيها مرشدا يقرر الأحكام ويرتل التعاليم ويسرد الفروع والأصول وترك أهل التنفيذ يشرعون للأمة ما لم يأذن به الله ويحملونها بقوة التنفيذ على مخالفة أوامره، فإن النتيجة الطبيعية أن صوت هذا المصلح سيكون صرخة في واد ونفخة في رماد كما يقولون"(3).
وبعض الدعاة الجدد ممن يبذلون جهدا مشكورا مأجورا في دعوة الناس للإسلام، فإنهم من حيث يدرون أو لا يدورون يقومون بأدوار تضر بعموم العمل الإسلامي السياسي.
فبعضهم يركز على الفرجة ويغفل الفكرة، وبعضهم يهتم بالفرد ويترك المجتمع، وبعضهم ينشر التدين الفردي ويهمل التدين الجماعي وبعضهم الآخر يتحدث في العبادات والأخلاق ويسكت عن قضايا الأمة وشؤون الحكم ويفتي في فقه الفرد ولا يلتفت إلى فقه الدولة.
وهذه المجهودات تفصل بين الدعوة والسياسة، وإن كانت تقوي الدعوة وتوسع من دائرة المتدينين، فإنها تضعف العمل السياسي الإسلامي وتسحب منه ولا تضيف إليه، وهي دعوة لا تزعج الحاكم ولا تغضب العلماني ولا تخيف أمريكا ولا "إسرائيل" لأنها لا تنقل تعاليم الدعوة إلى مؤسسات الدولة ولا تؤسس لدولة الدعوة.
ومن خلال كل ذلك يتبين لنا أن الفصل بين الدعوي والسياسي هو جريمة:
- جريمة في حق الدعوة لأنها تصيّرها دعوة عمياء بدون وجهة سياسية ولا رؤية استراتيجية، وتبقى الدعوة ضعيفة مغلوبة على أمرها بدون حكم يحرسها أو قوة سياسية تحميها.
- وهو جريمة في حق السياسة لأنها تبقيها سياسة ضالة بدون دعوة تهديها وسياسة استغلالية بدون أخلاق تهذبها، وبنيان هش مهدوم بدون أساس سليم يقوم عليه.
الدعوة الإسلامية هو تحرير ولاءات الناس خالصة لله وإنقاذهم من ذل العبودية لغير الله، وهو نداء للاستقامة على المنهج السليم وتوجيه للناس للقيام بكل أعمال البر الصالحة.
كما أن الدعوة هي انشغال بأمر الأمة وحالها والوقوف إلى جانبها ونصرتها والتضامن مع شعوبها و