بقلم الأستاذ عبد المجيد مناصرة
تتوفر للإنسان فرص كثيرة في حياته تشكل بالنسبة إليه إما مدخلا جيدا أو مخرجا كريما و لكن بعض الناس يضيع الفرص ويهدرها و لا يعرف استغلالها و قد يكون البعض الأخر حريصا على المداخل و غير عابئ بالمخارج و هذا طبع في الإنسان العجول الذي غالبا ما يكون تفكيره في العواقب و المالات اقل من تفكيره في المعابر و التوسلات .
لكن العاقل هو من يفكر في المخرج بنفس القدر الذي يفكر به في المدخل وأحيانا ربما في نفس الوقت و قد دعا النبي عليه الصلاة و السلام ربه كما جاء في القران ( ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) ،فان لكل دخول خروج هذه سنة الله في الحياة و لكن أكثر الناس لا يعقلون . و لكن المهم أن نحسن اختيار المدخل والمخرج بنفس الاهتمام و الدرجة .
بعض اللاعبين في كرة القدم يصلون إلى الدرجات العليا من التفوق و التألق و النجاح و الشعبية و الشهرة و مع أنهم يعلمون إن ذلك مؤقت لا يدوم فان الكثير منهم لا يعرف متى يعتزل و يغادر الملعب و ويترك اللعب، و بالتالي يغفل حتى يصل به الحال إلى أن يسمع صفيرا بعد تصفيق و استهجانا بعد إعجاب و شتائم بعد تشجيع و ترمى عليه القارورات الفارغة بعدما كانت ترمى عليه الورود . و لكن البعض منهم و قليل ما هم يختار الاعتزال في وقت التألق و القمة ليحافظ على هذه الصورة و يبقي على احترامه .
السياسيون هم أيضاً مثل الرياضيين منهم من يحسن اختيار وقت الاعتزال و منهم من لا يحسن اختيار متى يعتزل و يغادر بل منهم من لا يغادر نهائيا إلا إذا كان على نعش أو فرش أو جيش و المثال الواضح هو مثال بورقيبة و الحال التي وصل إليها من أرذل العمر و من العجز و التكلس و الخرف و مع ذلك فان خليفته لم يتعلم من هذا الدرس شيئا و غادر السلطة تحت هتافات ” ارحل .. ارحل ..ارحل ” في ظل ثورة شعبية؛ هاربا خارج البلاد فسمي بحق زين الهاربين لان البعض حتى الهروب لا يحسنه .
و الأمثلة على حسن مغادرة الحكام العرب قليلة جدا نتذكر منهم سوار الذهب السوداني و زروال الجزائري و قد أنجزت دراسة حول
كيف يخرج الرؤساء الأفارقة من السلطة ؟) و شملت الدراسة المرحلة الممتدة من 1960الى 2004 فجاءت النتائج كالتالي : من 205 حالة 25 فقط من الرؤساء من لم يجدد العهدة بعد نهايتها و ذهب الى التقاعد و 16 رئيس فقط من قبل بخسارة الانتخابات و هذا يعني ان 80 في المائة من الرؤساء لا يغادرون السلطة الا بالوفاة او بالانقلاب او بالاغتيال او بالحرب .
لذلك لا معنى للديمقراطية بدون تداول على السلطة و لا معنى للانتخابات بدون تغيير و لا معنى للمنافسة مع وجود الرئيس المرشح لانه لا يقبل ان يخسر و لا يرضى الا بالفوز و من الجولة الأولى و بفارق كبير و بنسبة أعلى من سابقتها ، هكذا تقول التجارب .
لذلك وجب ان تتضمن الدساتير تحديد العهدات وان لا يتجاوز الرئيس العهدتين و أيضاً تحديد السن للمرشح و للمسؤوليات التنفيذية كان لا يتجاوز 65 سنة مثلا مادام اغلب السياسيين لا يحسنون الخروج بل لا يقبلون المغادرة الا في صندوق و ليس عبر الصندوق .
الجزائر خسرت كثيرا بتعديل الدستور في 2008 عندما فتحت العهدات و سمحت بالعهدة الثالثة التي تفتح الشهية للرابعة و بالتالي فقد تم سد الأفق السياسي و أغلقت اللعبة و زيفت العملية الديمقراطية و زورت الانتخابات و أفرغت الحياة السياسية من المنافسة و الجدية و التغيير .
و عندما يتم الإعلان عن الانتخابات الرئاسية فالخوف ان تتحول العملية الى سباق مع أرانب ليس لتسخين السباق و تحطيم الأرقام القياسية بل لإضفاء الشرعية على السباق الذي سبق للمنافس ان وصل الى خط الوصول دون ان يجري لانه لا يجري أصلا و لا يحتاج ان يجري و ليس ملزما بان يجري لأنه لايوجد أصلا سباق
من هنا أودّ أن أدعو إلى منع الأرانب من إفساد السياسة و الكتابة بالبنط العريض على لافتة السباق (لا يدخله الأرانب و العجزة و الأطفال) و اشتراط ان يكون المتسابق فارسا و يملك أخلاق الفرسان ، و إلا فإنني أدعو إلى إخلاء المضمار من المتسابقين و ترك المنافسة بين الحاج موسى و موسى الحاج و اعتصام المواطنين في بيوتهم يوم الانتخاب لا يخرجون إلا بعد انتهاء وقت التصويت ، و عندئذ يكون الشعب قد انتخب بطريقة سلبية ضد العملية السياسية كلها و بعدئذ انتظروا المفاجئات فان الرئيس لن يجد شعبا يترأسه و بالتالي لعله يعتزل في هذه الحالة و يقول بركات !.بركات لجيل كامل لم يعد صالحا للحكم لأنه استنفذ مدة الصلاحية و سنقول لهم في هذه المرة شكرًا و لكم من الشعب كل التحية و التقدير .