الربانية أولاً
أيها الإخوان المسلمون
ينبغي أن تكون الربانية في قمة أولوياتكم، وأن تعملوا جاهدين على تحقيقها بكل ما أوتيتم من قوة وجهد، فحقِّقوا صفات أولياء الله يكلأْكم بكنفه ويشملْكم بحفظه ﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (يوسف: من الآية 64) ولا يجعل للشيطان عليكم سبيلاً ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (الإسراء: من الآية 65) هذا ما نريده وما نسعى إليه، وهو واجب كل فرد على حدته في إطار مسئوليته الفردية ليبذل أقصى جهده في تحقيق موجبات الربانية والعبودية.
واجبات
أيها الإخوان المسلمون
عليكم بإحياء الإيمان داخل نفوسكم.. فالإيمان هو المؤدي لكل ما ينشده الفرد في الدنيا والآخرة، ووسائل تجديد الإيمان وتمكينه في النفس كثيرةٌ ومتعدِّدة، وأهمها إحسان الصلة بالله؛ بإقامة الفرائض، والإكثار من الطاعات والأعمال الصالحة؛ فأقبلوا على الله إقبالاً صادقًا كما جاء في الأثر: "إذا أقبل عليَّ عبدي بقلبه وقالبه أقبلت عليه بقلوب عبادي مودَّةً ورحمة".
واجعلوا اللهَ عزَّ وجلَّ الغاية الأسمى والهدفَ الأعلى لكم، واجعلوه حاضرًا في قلوبكم وأمامكم في كل أعمالكم، وأخلِصوا التوجه له، وأدرِكوا حقيقة ما خلقكم الله من أجله..﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ (الذاريات)، وحقِّقوا في أنفسكم معنى شعارنا الدائم "الله غايتنا"، وحوِّلوه إلى واقع ملموس.
وعليكم التطلَّع الدائم إلى الدرجات العلا، وأن تجعلوا هدفكم في الحياة هو إرضاء الله عزَّ وجل، والعمل من أجل الفوز بالفردوس الأعلى، وأن تعملوا جاهدين على تحقيق هذه الأهداف السامية لتنالوا رضا الله، واغتنموا كلَّ دقيقةٍ وكلَّ لحظةٍ وكلَّ خلجة قلبٍ، واجعلوها زيادةً في رصيدكم الإيماني ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (
﴾ (الحشر).
وحقِّقوا الأخوَّة بينكم وطبِّقوها عمليًّا، بدءًا من سلامة الصدر وحتى الإيثار ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9)﴾ (الحشر)، فنحن نريد الأخوَّة الحقيقية التي تعين على الطاعة والقرب من الله، وتثري العمل وتدفعه للأمام.
إن الربانية هي مُدَد الحياة الإيمانية، فحافظوا على صلاة الجماعة والصف الأول، وخاصةً الفجر، واقرءوا القرآن، واستمعوا إليه، وتدبَّروه، وقوموا بمعانيه، واعلموا أنه لا سير إلى الله بدون قيام الليل فإنه شرف المؤمن وزاده الحقيقي على تحمُّل تبعات الدعوة ومشقاتها فهو وقود الدعوة، واجتهدوا في الدعاء وقت السحَر واغتنام هذه الأوقات الفاضلة، واعلموا أن قيام الليل هو أفضل معين على تحمُّل أعباء النهار ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً (6)﴾ (المزمل)، واشغلوا أوقاتكم بالذكر والتفكر والصيام ونوافل الخير والطاعات، واعملوا جاهدين على التخلص من كل جواذب الأرض التي تعطِّلكم عن أداء رسالتكم، وصلوا أرحامكم، وكونوا بارِّين بأهليكم وذويكم، وأطيعوا الله فيهم، وأعطوا من أنفسكم القدوة الصالحة لدعوتكم ولدينكم، وكونوا لهم بمثابة الواحة التي بها يأنسون.
أيها الإخوان المسلمون.. أيها الناس أجمعون
إن الربانية هي إصلاحٌ للنفس والمجتمع، فالربانيون استحفظوا كتاب الله، فهم المسئولون أمام الله عن حفظ الشريعة وعن نقلها وتعليمها لعباد الله ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ﴾ (المائدة: من الآية 44)، فالرباني يشعر أن الله سيسأله عن الشريعة كلها، وعن هذه البشرية جمعاء؛ لأنه طلب منه أن يحفظ وَحْيَهُ، وحِفْظُ الوحي لا يكون بمجرد حفظه في الأذهان والقلوب، لكنَّ الحفظَ الحقيقي يكون بحملِه رسالةً وحفظِه أمانةً والعملِ بما فيه، ومن هنا كان علينا جميعًا التحلي بالربانية للنجاة بأنفسنا ونصرة ديننا وعودة مجد أمتنا التليد.
وعلينا الحذر من التصورات الخاطئة والهدَّامة، التي تتسلَّل إلى نفوس البعض؛ بأن كثرة المشاغل والأعباء الدعوية والدنيوية تتعارض مع الربانية والروحية وتؤثر فيهما سلبًا، والعكس هو الصحيح تمامًا؛ فهذه الأعمال تزكي الروح وترفع الجانب الإيماني وتُعين على حسن العبادة لله وإنجاز ما يوكل إلينا من أعمال ونحقق ما نستهدف من خطط وبرامج.
وعلينا أن ندرك أنه لن يتحقق أو ينجز أي هدف أو خطة أو عمل بدون إخلاص التوجه لله وجعل العمل كله له سبحانه.
إن أولى خطوات نجاة العالم كله مما يداهمه؛ تكمن في عودتنا للربانية الجادة والحقيقية، والعمل الجاد لنصرة الإسلام ورفعة شأنه، ومن هنا وجب على كل الغيورين والمخلصين للإسلام العجلة والفرار إلى الله ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)﴾ (الذاريات)، وليكن شعارنا ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طه: من الآية 84) و"لن يسبقني إلى الله أحد"، والله أكبر ولله الحمد.
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم، والحمد لله رب العالمين.