حجم الخط:
فها نحن نقف على أبواب الشهر الكريم رمضان العظيم الشهر الذي كان الفضاء الزمني لنزول القرآن الكريم وبعث أمة القرآن برسالة السماء
أيها الإخوان تحية من عند الله طيبة مباركة،
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
فها نحن نقف على أبواب الشهر الكريم رمضان العظيم الشهر الذي كان الفضاء الزمني لنزول القرآن الكريم وبعث أمة القرآن برسالة السماء كما أنه الشهر الذي حفل بانتصارات الأمة المختلفة من غزوة بدر إلى التاريخ المعاصر وهو أيضا الشهر الذي فيه ليلة خير من ألف شهر خص الله بها أمة الإسلام إكراما وتشريفا، فهو محطة كبرى للتزود (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
فهنيئا لكم وللأمة الإسلامية بهذا الشهر الذي هو شهر الرمزية للرسالة والنصر والقبول, فحري أن تجعلوه محراب الزمان الذي فيه تطيلون السجود والقيام والتأمل وفيه تجودون بالخير وتلبون النداء الذي هو نداء حي على الفلاح وليس الكسل والبطالة أو الركون إلى الأرض.
الدعوة والتغيير
أيها الإخوان يتساءل الكثير من الناس عن اسمكم ورمزكم وعن مضامين اختياركم عناوين الدعوة والتغيير وأحب أن أقف معكم قليلا عند هذا الأمر.
نحن دعوة ربانية والدعوة هي وظيفة وهي إرث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهي الواجب المستمر إلى يوم الدين (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
والدعوة بلاغ بالرسالة والفكرة والمشروع لجميع الناس على اختلاف مواقعهم ومكانتهم وحقوقهم حيث لا فرق عند الدعاة بين الناس من حيث حقهم في أن نوصل إليهم فكرتنا ونبلغهم دعوتنا ولذلك تستمر عملية الدعوة عندنا في عنوان الحركة لنبلغ الناس أصالة منهجنا.
والدعوة من زاوية أخرى التزام ومسؤولية بعيدا عن الدعاية والكلام لأنها عمل ومسؤولية وأهلها قوم عمليون وما يميزهم عن الآخرين هو العمل ثم العمل المنتج الذي له أثر يرى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).
والدعاة ليسوا سواء مع الناس لأنهم قد كلفوا أنفسهم مسؤولية الدعوة وحماية منهجها ونشرها وقبل ذلك تمثيلها حق التمثيل في أنفسهم ومحيطهم الصغير ثم الكبير حتى صدق من الرسول صلى الله عليه وسلم ما قالته عائشة رضي الله عنها عندما وصفته بأنه "كان قرآنا يمشي بين الناس".
والتغيير: هو وظيفة أخرى تكمل عملية الدعوة وتؤطر نتائج الدعاة حيث تعبر عن التجديد المستمر والتغيير نحو الأحسن وتجاوز الأخطاء وإصلاح النقائص وإكمال التقصير والمراجعة المستمرة وعدم الإصرار على الخطأ أو التفرد بالرأي أو العمل بعيدا عن الأهداف المشتركة للمجموعة لأننا لا نؤسس لعمل فردي ولا لأهداف محدودة أو مقاصد صغيرة بل نؤسس لعمل كبير يتجاوز الأقطار والجغرافيات البسيطة إلى قضايا الأمة التي هي أكبر هم مؤرق للقائمين على برامج الدعوة والتغيير في مختلف الأطياف الفكرية والمذاهب التغيرية.
والتغيير هو وظيفة تمس الأفراد والمجموعات كما تمس المظاهر العامة والحالات الخاصة وتقاس بالنتائج التي تتوصل إليها عملية التغيير في كل مرحلة، والتغيير يبدأ من الفرد ولا ينتهي إلا بشمول الأمم ويبدأ بالعاطفة المتوهجة ولكنه لا يتحقق إلا بتأطير العقول والبرامج والخطط ولا يكفي ذلك فيه حتى يصبح واقعا ملموسا يجده الناس في تعاملاتهم اليومية القابلة للقياس ومع ذلك أيضا لا يكتب النجاح لكل مغير وإنما يوفق في التغيير من أحاطه بقيم الصدق والإخلاص والتجرد والتضحية لأنه بحفظ الله تتحقق النتائج وليس بمهارة البشر.
بين الأصالة والتجديد
يتساءل الناس عن التغيير ومن المهم أن يكون واضحا للجميع أن عملية التغيير تمس المظاهر المختلفة وتكتسب صوابيتها من التغيير نحو الأحسن والاستفادة من التجارب الماضية في تجاوز الأخطاء المضرة بأصل المشروع أو ببعض أركانه الأساسية التي تمس المنهج والفكرة والرسالة والعلاقات الأساسية بين مكونات المشروع الكبرى، ولذلك فمن المهم التأكيد على أصالة الخط والتوجه كمرجعية أساسية ودائمة بعملية التغيير التي تتحدد وجهتها بالغاية المعروفة وزعامتها بالقدوة الثابتة وطريقها بالسبيل الصحيح مهما صعب ومنهجها بالكتاب المبين حتى إذا انتظمت في عملية التغيير هذه الأركان كان واضحا للمغيرين أن (ما عند الله خير وأبقى) فآثروا في أمانيهم الآخرة على الدنيا.
والعمل الأصيل يعرفه أهله ويعرفون منطلقاته ومضامينه وأهدافه وغاياته ولذلك فكلما كان الفهم أصيلا وعميقا كلما كان ذلك صمام أمان للمسار كله وكلما اهتز الفهم أو نقص أو قصر أو تعلق بالهوى كلما زادت مساحة خطر الانحراف المحدقة بأصحاب الأفكار وأصحاب الرسالات ولذلك فالأصالة حصن ومرجعية وهي فكرة متكاملة ونظام شامل ينقله الأمناء من عالم التجريد إلى عالم الواقع ويرتبط من في قلبه مرض بخيال الفكرة ويتمنى على الله الأماني.
والتجديد روح ينقل تلك الأصالة إلى ظروف جديدة تتأقلم معها وتلبس ثوبها دون أن تغير من قيمها ومبادئها شيئا وهو المقصد من عنوان التغيير في فكرتكم وحركتكم ومساركم ورايتكم الجديدة هي عنوان لذلك حيث تتجدد الهياكل والأساليب والوسائل بما يتناسب مع حفظ الأصالة في الظروف الطارئة والأحوال المتجددة وهو ما يزيد من جمال الفكرة ورونق الرسالة وحلاوة العمل الذي يعيش على غذاء الأخوة والتضحية والتجرد والوفاء وأفضلية الجماعة على غيرها إن على مستوى المشروعية أو على مستوى الانتماء أو برامج العمل وقد يستهجن الكثير من الناس هذه الخطوات الجديدة غير أنهم سيحتاجون بالتأكيد إلى زمن لكي يقفوا على ضرورة هذه الخطوات شريطة أن يثبت عليها أصحابها ويستمر نجاحها وتؤتي أكلها الذي ليس هو نتيجة يختص بها المنتمون، بل هي كالغيث ينفع من ينزل عليه وهي كالشمس تضيء على كل الخلق ولا يضرها من خالفها أو عاداها.
وقفات مع آية ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم)
التغيير العام يكفله الله بشروطه:
إن آية التغيير هذه تؤكد على معنى وقيمة وضرورة التغيير وتضع التغيير صنفان:
تغيير عام: وهو الذي تكفل الله به بإخراج ما بالقوم وما بالجماعة وما بالتنظيمات وما بالمؤسسات من حال إلى حال ولكنه وضع له شرطا لازما هو حصول التغيير من أنفس القوم ولأن النفس حالة فردية فإن مكونات المجموعة من الأفراد ضرورية في عملية التغيير ولأننا نريد التغيير المرتبط بالربانية والحق والتزكية والمشروعية فإنه يجب أن نتأكد أنه ليس غير الله يعطينا هذا التغيير الذي ينقلنا إلى مستويات الرسالة والتمكين والقبول ولكن هذا مستوى الإيمان واليقين وفهم سنن الكون وقوانين الحياة وأما الوظائف والأدوار والتكاليف والأعباء فتنصب في اتجاه آخر هو تغييرنا ما بالنفس.
التغيير الخاص مسؤوليتك "أنت":
وهو معنى حتى يغيروا ما بأنفسهم أي أن واجب التغيير متعلق بك أنت ووظيفة التغيير متعلقة بك أنت وأدوات القيام بهذه الوظيفة موجودة في حوزتك أنت، فابدأ بالتغيير إذا أردت التغيير ومشروعنا قائم على أساس تربوي يبدأ بتغيير النفس ويستمر بتغييرها ويحفظ بتجديد مستمر لعملية التغيير النفسي فينا قبل غيرنا وعندما يعم التغيير ويكثر حاملوا رسالته وينتظمون في عقد مصفوف وبنيان مرصوص ويشكلون صفا ربانيا قوامه الثقة والصدق والطاعة يكونون بذلك قد وفروا الشروط القدرية ووضعوا الأسس التي ترتفع عليها عملية التغيير العامة.
رسالة رمضان دعوة وتغيير
إن رمضان يحمل الدعوة بمعنى الرسالة والالتزام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) كما يحمل التغيير الذي يحول فجأة حياة الإنسان استجابة لله من حال إلى حال ومن وضع إلى وضع على المستوى الدقيق في يوميات الإنسان وجوانب حياته المادية والروحية وهو رسالة واضحة بضرورة التغيير الدوري المستمر نحو الأفضل من جهة ومن جهة أخرى هو عنوان على إمكانية التغيير وسهولتها إذا توفرت الإرادة ووضحت الغاية التي من أجلها نصوم ومن أجلها نفطر، فكما نصوم عن الأكل والشرب وما في حكمه يجب علينا وبإمكاننا أن نصوم عن رغباتنا الفكرية وشهواتنا التنظيمية وخصوصياتنا الحركية فحيث لا يجوز لنا أن نصوم نافلة في رمضان لا يجوز لنا أيضا أن نقدم نافلة تنظيمية أو حركية في وقت الفرائض الحركية والتنظيمية.
ورمضان الذي نستقبله هذه الأيام حري أن يكون وعاءا زمنيا للتغيير في كل المجالات وأن نجعل خصوصيته في حركة الدعوة والتغيير تتعلق بعنوان كبير وهو:"أبناؤنا سمة في وجوهنا"، فنبذل جهدا خاصا في وقاية النفس والأقربين وعلى رأسهم الأبناء من كل ما يتعارض مع الرسالة والفكرة وشرف الغاية ونبل الوسيلة فإن تكدير الدعوات يبدأ صغيرا وفرديا ثم يتحول إلى ظاهرة تهدد ميراث الدعوة بأكمله وهو الذي إذا لم يحمله أبناؤنا ضيعه أبناء الآخرين فلا تتركوا هذا الإرث محل تلاعب للآخر أو استهانة منكم فإن مضيعة الرسالات تبدأ من ضياع المحيط المقرب لقادتها والقائمين عليها.
فاللهم بلغنا رمضان، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
مصطفى بلمهدي
رئيس حركة الدعوة والتغيير