أيها الإخوان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أحييكم تحية الشهر بعد السلام لأقول لكم مذكرا نفسي وإياكم بقول الله تعالى: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) لتكون شعارا للشهر الذي نحيي فيه ذكرى الرجل العظيم الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، الذي أفنى ما آتاه الله في خدمة الدعوة وبناء الرجال، وحماية الأرض والعرض، ونشر الإسلام، وتجديد طرائق العمل الإسلامي، وفتح الآفاق الجديدة أمامه، ونقل الدعوة إلى مساحات جديدة لم تكن في حسبان الكثير من الدعاة، وبذلك أبدع في أساليب التغيير وحمى المغيرين من أخلاق المتردية والنطيحة وما أكل السبع وأسس بذلك مدرسة متميزة للدعاة أخذت على عاتقها أن تشق الطريق في وسط أمواج هادرة، وأشواك واخزة ومنعرجات تيه لا يستطيع عبورها إلا العارفون وعبرها بنا جميعا رغم قلة السالكين وكثرة السبل المتفرقة فاستقامت لنا منهجية السير وكنا جميعا حسنة من حسناته يرحمه الله ويعيننا على ألا ننسى فضله.
إحتفاليات الشيخ محفوظ نحناح قيم لا مقامات
أيها الإخوان،
لقد عزمت حركة الدعوة والتغيير أن تجعل هذا الشهر فضاء زمنيا لإحياء ذكرى الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح والوفاء يستوجب أن نتواصى بإحياء هذه الذكرى بأعمال القلوب قبل أعمال الجوارح لأن أعمال هذه الذكرى هي بالأساس صدقة جارية على صاحب الذكرى ثم هي قربات نتقرب بها إلى الله ونحيي بها منهجا في الدعوة إلى الله، ونستحضر القدوة في أعمال ذلك الرمز الذي تركنا على هدى من الدعوة والأخوة والتضحية والتجرد وإيثار الحق على الخلق، ولذلك فإني أوصيكم ونفسي بأولوية الإخلاص والصدق وتحرير الإرادة لله ثم إعلاء أعمال الدعوة على غيرها والجماعة على الذات والوطن على ما سواه وذلك هو سمت الدعاة الحق.
وإن من حوّل تعاليم القرآن والسنة إلى سلوك ملتزم فهو داعية قدوة في ذلك ومن خالف سلوك هذه التعاليم فقد أبى أن يكون داعية بل أصبح مدعيا فإذا فعل الأولى كان شاهدا على الناس وإذا فعل الثانية كان الناس شهداء عليه سلبا.
وإن القلوب إذا لم يعتنى بها تمرض بأمراض شتّى داخل الجماعة وتؤثر في تماسك الصف وسمته كما تؤثر قنوات تصريف المياه القذرة في قنوات المياه الطاهرة عندما تكون بجوارها ولا يظهر تلوثها إلا عندما يصبح وباء.
والمحضن التربوي هو الوقاية التي تحافظ على سلامة القلوب وطهارتها التي هي أدنى درجة الأخوة كما عبر عنها الإمام المؤسس.
وأمراض القلوب هي الحالقة التي تحلق الحب في الله والأخوة في الله وتقطع أوصال الجسد الواحد وتصدع البنيان المرصوص وتفرق بين المعتصمين بحبل الله وتوصل الجماعة إلى التنازع المؤدي إلى الفشل وقد نهانا الله عز وجل عن التنازع الذي يفشل ويذهب الريح التي ترعب العدو من مسيرة شهر.
وإن الحياة بلا التزام حياة ضائعة عبثية فوضوية تحول الصف إلى غثائية كغثاء السبل كما جاء في الحديث الشريف. من أجل هذا الالتزام، أيها الأخ وأيتها الأخت، أرسل الله إنذاره وتبشيره إلى نساء النبي أمهات المؤمنين ومن ورائهم كل النساء والرجال (يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) الأحزاب 30-31.
فلماذا أيها الأخ وأيتها الأخت يضاعف لهن الأجر والعذاب؟ لموقعهن من النبي صلى الله عليه وسلم وانتمائهن لبيت النبوة بيت القدوة والدعوة.
يا أتباع الشيخ محفوظ السائرين على دربه كلكم دعاة وبالتزامكم تحملون رسالة الإسلام، وتبلغون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تعلمتموه.
ربانية الحركـة
أيها الإخوان،
لقد أسسنا معا حركة الدعوة والتغيير لتكون ربانية، ولكن الربانية ليست شعارا فقط وإنما التزام وعمل، وكل من انتمى إلى الحركة انتمى لهذا السبب ويحيا في كنف الحركة حياة ربانية بالتفكير والقول والعمل وفقا لمنهج الله وبذلك نحوم حول الصحابة نتأسى بهم كما تقول أدبياتنا.
والعهد الذي بيننا هو طاعة الله والإخلاص لوجهه الكريم وليس لوجه أحد غيره، والقائد عندنا وسيله لطاعة الله وهو غير معصوم فإذا أخطأ أو انحرف ننصحه ونقومه كما أعلن ذلك خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وإذا أصر على خطئه فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فالعهد ارتباط بالله عن طريق القيادة ما دامت القيادة مرتبطة بالله، ويبقى العهد مع الله مستمرا في كل الحالات.
وبحسن الالتزام يتضاعف الأجر وبإساءته يتضاعف الإثم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"، فمن يغرس غرسا يأكل منه إنسان أو حيوان ليس كالذي يحفر حفرة في طريق الناس ليسقط فيها الإنسان والحيوان.
وكما يتضاعف الأجر والإثم في الأراضي المقدسة بسبب الموقع والموضع فكذلك الداعية الملتزم ليس كباقي الناس في حال الالتزام ومخالفته، ومواقع القيادات في قمة هرم الحركة ليست على درجة واحدة مع باقي أفرادها في قاعدة الهرم.
بين الصيحة والغايـة
أيها الإخوان،
لقد كانت رسالة الشيخ الدائمة هي السير إلى الأمام وعدم الالتفات إلى أي صيحة، لأن الالتفات إلى الصيحات هي صفات الذين لا يتقون الله في غايتهم، ولا في أنفسهم أو جماعتهم، ولذلك كان الشيخ رحمه الله حريصا على أن تنقى الصفوف منهم أو يطهرون من الأمراض المناقضة للغاية، فلا يكون في مرحلة البناء والتأسيس معلول الغاية مريض القلب كثير التردد سماع لكل ناعق، ففي مرحلة البناء توضع الأسس على العزائم الثابتة والقواعد الصلبة والقادة الذين فهموا أن الله استعملهم في سيبله وأدركوا مرادهم من الطريق إلى الله الذي هو غايتنا الكبرى وليس على الذين قال فيهم الله تعالى: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) أو الذين قال فيهم: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ) المائدة 52.
ولذلك أيها الإخوان لقد حددنا الغاية وانطلقنا في المسير ووضح لنا الحادي واستوثقتا من أصل الشجرة الذي نعض عليه بالنواجذ واختار غيرنا سبلا لهم فكونوا انتم أصحاب الشجرة ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، وألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول فلا تكن العواطف حكما على القيم ولكن خادمة لها تدفعها لمزيد من الإبداع ولا يلهيكم بريق أضواء الخيال عن اكتشاف الحقائق في وسطها فهي زاهية براقة ولكن الحقيقة ليست هي بريق الأضواء ونداء الأهواء أو شطحات الخيال وأماني العاجزين المتدثرين بالأسماء والمقصرين في حق المسميات الملتفين عن التزاماتها وحقوقها.
أيها الإخوان،
إن عصمة الأمر كله في تقوى الله والتجرد له من كل شيء، وعصمة الجماعة في الحب في الله صدقا وحقا، وعصمة العمل في الشورى الملزمة والطاعة التعبدية لدى كل واحد منا لمن عليه حق الشورى والطاعة والثبات وحسن القدوة والإحسان في الاقتداء وانتظار النصر بعد ذلك من الله العزيز الحميد.
والله أكبر ولله الحمد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.