05/07/2009 بقلم / رئيس الحركة الشيخ مصطفى بلمهدي
إن رسالتنا تقوم على إصلاح النفس ودعوة الغير، ذلك أن منهجنا لا يستقيم بدعوة الآخرين لشيء لا نقيم أنفسنا فيه
أيها الأحبة في الله،
تحية طيبة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل من موقعه وباسمه الخاص وبعد..
فإن الحمد لله إليكم على تمام النعمة والمنة من الله تعالى في القيام بأمن الدعوة والنهوض بأعبائها، وإعداد الهياكل اللازمة للعمل الجماعي والشورى الضامنة لصحة المسار والعزيمة التي تنهض بتكاليف التربية والدعوة والتغيير وأهنئكم بنجاح أعمالكم المتعددة على مستوى الذات والجماعة والمنهج والمشروع، حيث أعدتم بناء الأسرة وترتيب الأفراد وتحديد الواجبات والالتزامات، وإنشائكم لمجالس الشورى واختتام التنفيذ، وضربتم مثلا رائعا في الاحتفال بذكرى الشيخ المؤسس محفوظ نحناح عبر العودة إلى نهجه وبعث تراثه وأفكاره وإحياء منهجه بين الناس.
كما أهنئكم لكثرة الإقبال الشعبي عليكم واستمرار الانخراط في حركتكم التي بدأ إقبال الناس عليها أنكم تعبرون عن طموح شعبكم وتمثلون الأمل له وتشكلون مجالا واسعا لثقته، قبلتم تلك الثقة الغالية التي هي مدار العمل وأمنية الرأي العام الذي أقبل علينا على غير مصلحة دنيوية وإنما هو الحب والثقة في تلك القيم التي أعلنتموها للناس وافتقدها الناس عند غيركم، وأهمها روح الحب والصفاء والصدق بينكم وإيثار الحق على الباطل، وإعلاء الولاء للفكر على الولاءات الموروثة الأخرى لأن ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
ولقد أظهرت روح التوافق التي اتخذتموها أسلوبا وخيارا لإدارة شؤون الحركة شجاعة كبيرة في تجاوز سلبيات الماضي وطموحات الاحتكام الذي يغلب فيه طرف عن طرفا آخر، ذلك أن كل واحد منكم هو أخاه عينه الذي لا يناديه أنت وإنما يخاطبه بـ "أنا" وكأنه أمام المرآة.
القدوة دعوة
أيها الإخوان،
إن رسالتنا تقوم على إصلاح النفس ودعوة الغير، ذلك أن منهجنا لا يستقيم بدعوة الآخرين لشيء لا نقيم أنفسنا فيه بعزم وحزم وجدية فحسنات الأبرار سيئات المقربين وإن كانت الفتوى أقرب إلى الرخصة فإن الالتزام عزيمة وجدّ.
والقدوة دعوة ولا يمكن أن يصلح شأن الدعوة بغير القدوة، والقدوة هي منهج إصلاح وليست ادعاء وتبني، فليس من يظهر العبوس هو أهل الصلاح ولكن من يحسن إدخال السرور على قلوب الناس ويبش في وجوههم دون أن يستحي من الخلق فيضيع الحق أو يغفل عنه أو يتنازل عنه أو عن بعضه.
وإن إصلاح النفس أيضا ليس بالانتماء فقط بل هو بذل الجهد في العمل والتقويم والمجاهدة والتخلص من جوانب الهمم المنحطة، وإعلاء الطموح نحو الغاية الكبرى وإقامة النفس في محراب الإيمان ومنبر الدعوة وحلقة الدرس ومواطن الزكاة وبين طيات الصحائف والكتب وطبقات الدعاة وأهل العلم والسبق والتجربة ومتابعة أخبار الواقع وتحولات شؤون الأمم والحركات وتحسس أحوال الواقع المحيط بنا والدخول إلى المفاصل الحساسة فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
وإن ذلك كله لا يأتي اعتباطا بل لابد من منهجية تلزمنا بإصلاح أنفسنا بداية من الصف الأول في صلوات الفجر والعشاء إلى بناء الفكر وترتيب العقل وتحصيل الحد الأدنى من أدوات التوجيه والمشاركة الإيجابية في صناعة الدعوة والتغيير في محيط لم يعد بدائيا ولا بسيطا وإنما زاد تعقيده يوما بعد يوم، فقد أصبح من العسير أن نقوده إن ، تكن في مستوى حقل العمل كما يقول مالك بن نبي رحمه الله.
القدوة مراتب
أيها الإخوان،
إن القدوة مراتب، فالقدوة في مواقف ومواقع الجندية تختلف عن القدوة في مواقع القيادة والقدوة في حال التأسيس والبناء صعبة وفي إعادته أصعب ولكن عزائم الرجال تصهر الصعب وتذلل العقبات ولذلك لا بد لها من تضافر القدوة في القيادة والقاعدة، فقد سأل أحد المتقاعسين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم كثرت الفتن في زمنه ولم تكن في زمن أبي بكر وعمر؟ فقال الخليفة علي رضي الله عنه: "أولئك كانوا أمراء على أمثالي وأنا صرت أميرا على مثلك"، وقد أُثر أيضا عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: "لو استقمت لاستقامت رعيتك" وهو يخاطب أحد ولاته.
وإننا اليوم أمام موسم تفرغ للعمل الدعوي ولا أقول موسم العطل لأن راحتكم على سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم "أرحنا بها يا بلال" وظهور المطايا راحة السائرين، ولذلك أوصي نفسي وإياكم بترتيب أوراد الحفظ والذكر والقراءة والزيارة والمتابعة والنصيحة والمشورة وملء أوقاتكم بالأعمال "فمن لم يشغل نفسه بالعمل شغلته بالتكاسل. ومن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل ومن لم يدربها على طاعة الله روضته على طاعتها وتلبية شهواتها".
ادع غيرك .. ادع غيرك..
و"لأن يهدين الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"، والسواد لا يكثر اعتباطا وإنما بتراكم الأعمال فما سالت أودية إلا من حبات القطر، وما أضاءت الأنوار إلا من صغير الشرر. وفي قول إبراهيم بن أدهم عبرة وهو يصحح مفهوم أحد مريديه الذي عاد من سفر يطلب به رزقا بعد أن رأى طائرا كسيحا في مغارة قد صرف الله له طيرا سليما يأتيه بالطعام، فظن أن الرزق مكفول فلم السعي؟ فقال له شيخه:"كن أنت المُطعم ولا تكن الطاعم".
ونحن نحتاج إلى الدعوة خدمة لديننا ولمنهجنا ووطننا فلا يصلح أمر الأمة إلا بالإكثار من أهل الخير وهو مطلب المرحلة الذي يتطلب همة للدعاة تتجسد فتكثر بها مؤسسات الدعوة وجماعيتها التي يؤوب إلى ظلها الحيارى وتؤطر جهود العاملين، لأن عملنا ليس عملا فرديا بل منظومة جماعية تهدف إلى التمكين والاستمرار وتقوم على خدمة الدعوة من أجل التغيير الموصل إلى الأهداف التي رسمها المؤسس واجتمعتم على تحقيقها وأنتم تعلمون مفاوز الطريق ووحشة السبل لولا أن أنار الله لنا المسار بأنوار الفهم والإخلاص والتجرد وأعاننا على لأوائه بالأخوة والثقة والعمل والتضحية وجعل تنافسنا في الثبات والطاعة والمجاهدة وهي القيم التي ندعو إليها الناس ونجتمع معهم على أساسها ولنا ولهم الأجر عند الله فلا نبغي من الناس جزاء ولا شكورا.
جمعية الدعوة والتغيير أول الطريق
أيها الإخوان،
لقد أعلن مجلس شوراكم الموقر عن تأسيس جمعية الدعوة والتغيير لتكون أول الطريق في منظومة "ادع غيرك".. وهي بكم وفيكم ستكون إن شاء الله قدوة في العمل الدعوي المتكامل الذي تداعينا للقيام به والاجتماع على التعاون فيه، وهي المؤسسة التي تحمل مشعل الفكر والعلم والدعوة والتغيير بسواعد أبنائها وبناتها من رفقاء الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله والسائرين على دربه، وعملها بذلك لا يقتصر على ناحية من مناحي العمل أو جزئية من جزئيات الدين، بل هي انطلاقة رائدة في الشأن الدعوي وأبوابها مفتوحة للصالحين والمصلحين وهي بذلك ستكون منبرا معليا للحق مفتوحا لمن له الإرادة والاستعداد للمساهمة من خدمة الأمة والنهوض بها على شاكلة الشيخ المؤسس محفوظ نحناح رحمه الله، فلا تقصروها على شريحة من الشرائح أو جانبا من الأعمال أو فترة مؤقتة ولا تبتعدوا بها عن طريق جوهرها الذي أنشئت من أجله ولا تتركوا الآخرين يقرءونها حسب أهوائهم بل انتقلوا بها إليهم واشرحوا لهم غايتها وأبينوا لهم عن قوة فكرتها ووحدة صفها وتماسك رجالها ووضوح أولوياتها.
واحرصوا على أن تصدق أعمالكم أقوالكم فلا خير في قول لا يسنده ويصدقه العمل، ذلك أننا في هذه الجمعية نريد أن تكون إضافة إيجابية لمجتمعنا ووطننا وأمتنا إضافة ترتبط بالشباب من جهة وبالثوابت من جهة أخرى، تستدعي التاريخ لخدمة المستقبل، وتعيش العصر بروح الحفاظ على الأصالة. وإذا كان هذا أول الطريق فإن للطريق وسطه وآخره حسبما تقتضيه الظروف وتتطلبه المصلحة الكبرى والعامة، ولكن لكل مقام مقال ولكل آن حال ولا يمكن تجاهل فكرة آن أوانها ولكن لا يصح ألا تكون الولادات القيصرية أصلا في طريق الدعاة لأن ذلك فعل المتاجرين وليس فعل الحكماء.
شهر الاستقلال والشباب
أيها الإخوان،
إننا في شهر جويلية الذي نعتز فيه بأن منّ الله علينا بيوم عـزٍّ محَا عنّا به ألم الذكرى التي ارتبطت باحتلال بلدنا العزيز ذات يوم من عام 1830 ليطلع فجـر 5 جويلية ويشرق نوره فيزيل ظلام الاستعمار ويحيي أرض المليون من الشهداء حياة طيبة، ولكن تبقى فرحة الاستقلال منقوصة في قلوبنا ما لم تتحرر الأرض المباركة أرض فلسطين التي هي شقيقة الجزائر وأختها، وحريتها من حريتنا وعزتها من عزتنا.
ولكن حري بنا أن يكون لهذا الوطن في قلوبنا المكانة الأعلى والمثل الأسمى، وأن تعملوا على ربط الشباب بالثوابت الوطنية ونشر القيم الوطنية في أوساط المجتمع وإحياء الحرص على البناء والإيجابية والتنمية لدى الشباب ولبعث الثقة في وطنهم داخل قيمهم وقلوبهم وأفكارهم وكل ذلك مضنة أن نساهم في حماية إرث الشهداء واستمرار منهجية الروح البناءة التي تركها لنا الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله، وإنكم إن شاء الله لذلك لحفظة وعليه لأمناء.
ومن الأمانة والوفاء أن يواصل شباب الاستقلال مسيرة شباب التحرير وهو بذلك جديـر.
وان كثيرا من الجهات يزعجها دوركم الايجابي غيرة منكم أو حسدا من عند أنفسهم فتعمل على عرقلة جهودكم أو تحريف وجهتكم أو وضع المعطلات في طريقكم لتلبيس الحق بالباطل أو التدليس على السائلين أو جذبهم نحو التقاعس متخذين في ذلك أشكالا وصور بين شهوات مثيرة أو شبه مشوشة أو تخويف بالذين من دونه أو تعجيز عن القيام بالمهمات الكبرى آو التلويح بسراب يشبه الحقائق ولكنه لا يتعدى أن يكون فجرا كاذبا يصدق فيه قول الله تعالى "أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه" ولذلك فلا تلتفوا لغير أعمالكم ولا تنظروا إلا أمامكم فان كثرة الالتفات مشغلة للعقل وصارفة للعزم ومبطلة للأعمال " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات "