من هدي الإسلام في تربية الأطفال
اهتم المسلمون قديما وحديثا بالطفل بتوجيه من القرآن الكريم ، والسنة والنبوية المطهرة ، وكتبوا أبوابا وفصولا في كتبهم ورسائلهم تمس الطفل من قريب و بعيد كما فعل ابن سينا في ( القانون ) والغزالي في ( إحياء علوم الدين ) ، وأفرده بعضهم بالتأليف فألفوا فيه كتبا قائمة بذاتها ، ورسائل مستبدة برأسها كما فعل ابن القيم في كتابه ( تحفة المودود في أحكام المولود ) وكما فغل عبد الله علوان في كتابه ( تربية الأولاد في الإسلام ) . ولما كان الطفل جوهرة غالية ، ودرة ثمينة فإنه جدير بكل جهد يبذل حفظا وكنا، وترويضا وتهذيبها، وتزكية وتأديبا. ولا سبيل إلى أن يقدم الكبار للصغار ما يحتاجونه في المجالات التربوية والتثقيفية المختلفة ما لم يكونوا هم أنفسهم ما شئت علما وفضلاً، واستقامة وصلاحا، إذ أنه فاقد الشيء لا يعطيه ومعلوم أن للقدوة أثرا لا ينكر في مجال التربية والتوجيه ولأمر ما قال شعيب لقومه (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه أن أريد إلا الإصـلاح ما اسـتطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب )(1).
وإذا أردنا ألا نخبط في عمياء ،ونضرب في تيهاء فعلينا أن نستضيئ بنور القرآن، وقبس الحديث مستفيدين من تجارب الأمم، ومما يستجد من علوم، ويستحدث من كشوف.
فمن القرآن نعلم أن الطفل – ذكراً كان أو أنثي – هبة تستحق الشكر والعرفان (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما )(2) .
وهبة الله ينبغي أن يعرف لها قدرها ومكانها ، ونحن لن نقدرها حق قدرها ما لم نقم عليها تغذية وتزكية ، وتعليماً وتثقيفاً ، والطفل يخرج إلينا صفحة بيضاء غير منقوشة ولكنه مزود بأدوات المعرفة وآلات العلم ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )(3) .
ولما كان الطفل عجينة تشكل ، ولبنة تحور وصفحة تتقبل ما يثبت فيها من نقوش وصور فأن على الآباء والأمهات تجاه أولادهم مسئولية فادحة تقصم الظهر، وتثقل الكاهل. قال رسول صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )، وفي الحديث القدسي( خلقت عبادي علي الحنيفية السمحة فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم)(4) .
وهكذا وجدنا الإسلام يوجه منذ البداية إلى التخير والتنخل والانتخاب حتى يمنح الطفل فرصة طيبة، ومناخا صالحا لينبت نباتا حسنا ( تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء ... رواه الحاكم وغيره )( تزوجوا في الحجرالصالح فان العرق دساس ...رواية بن عدي في الكامل مرفوعا).
ولعل في إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى تجنب نكاح القرابة في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تنكحوا القرابة فأن الولد يخلق ضاويا ) .. لعل في هذا التوجيه الكريم ، والإرشاد الحكيم، إشارة إلى العناية الفائقة التي يوليها نبي الإسلام للأطفال حتى لا ينشأوا مهزولين ضعاف كذلك الذي وصفه شاعر المفضليات فقال :
يأوي الي سلفع شعثاء عارية ** في حجرها تولب كالقرد مهزول
ولقد اثبت علم الوراثة الحديث صدق هذه النظرة وبعدها. ( والوراثة هي انتقال الصفات من الآباء إلى الأبناء وتوجد مواد الوراثة في الخلايا الجنسية – البويضة والحيوان المنوي – وتقرر وراثة الطفل في اللحظة التي يدخل فيها الحيوان المنوي في البويضة عند الإخصاب ويحمل الجنين كمية من المواد الوراثية من أبيه مساوية تماما للكمية التي يحملها من أمه)(5) .
( لقد اثبت علم الوراثة كذلك أن الزواج بالقرابة يجعل النسل ضعيفا من ناحية الجسم، ومن ناحية الذكاء، ويورث الأولاد صفات خلقية ذميمة، وعادات اجتماعية مستهجنة )(6).
ومما يدل علي اهتمام الإسلام المبكر بالأطفال أنه شجع الزواج قال تعالي ( والله خلق لكم من أنفسكم أزواجا ، وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )(7) وقال صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، رواه الجماعة ) ومعلوم أن الاتصال ـ بغير رباط شرعي ـ بين الجنسين يؤدي إلى أمراض جنسية مفظعة ، وهذه من شأنها أن تهلك النسل ، وتنشر الوباء وتذهب بصحة الأولاد الذين قال فيهم الشاعر العربي القديم :
أولادنا أكبادنا تمشي علي الأرض
والإسلام يبذل الجهد كله حذرا وتحرزا وتحسبا من أن ينشأ الأولاد نشأة فاسدة غير صالحة فيدعو إلى المحافظة علي عش الزوجية ويصف الزواج بأنه ميثاق غليظ ( وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا)(
وفي حالة الكراهية وفيها من مشقة ورهق ( فأن كرهتموهن فعسي أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيرا)(9) ، وعندما أراد أحدهم أن يطلق أهله لأنه لا يحبها قال له عمر بن الخطاب أوكل البيوت بنيت علي الحب اين التذمم يا رجل ؟ ولاشك أن استقرار الأوضاع المنزلية من شأنه أن يؤدي إلى استقرار الأولاد من الوجهة النفسية، ولا شك أن جانبا ضخما من انحراف الأحداث إنما يعزي إلى اضطراب البيت وتدهوره وانحلاله. ولقد خسرت الإنسانية خسارا عظيما بتخلي الآباء والأمهات عن واجبهم تلقاء أولادهم . وكان ثمرة هذا التخلي أكلا خمطا ... أطفالاً مشردين وشباب شاردين .
أن اليتيم هو الذي تلقي له ** أما تخلت أو أبا مشغولا
وما فتئ نبي الإسلام يشجع علي الصبر علي لأواء التربية وعناء الواجب، ونصب المسئولية ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن ، وسقاهن وكساهن من جدته (10) كن له حجابا من النار ) رواه أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر الجهني.
من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين – وضم أصابعه (رواه أنس ين مالك) ، وكان صلوات الله وسلامه عليه يأمر بالعدل بين الأبناء والمساواة بينهم في المعاملة حتى ينشأ الأطفال وهم برآء من العقد الضارة والحقد الأسود والحسد الذميم فقد روي أحمد وأصحاب السنن عن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اعدلوا بين أبنائكم ) يكررها ثلاثا واهتمامه صلوات الله وسلامه عليه بتنشئة الناشئة تنشئة إسلامية صحيحة اهتمام قديم فهاهو ذا عليه أزكي تحية واطيبها يؤذن في أذن الحسن حين و لدته فاطمة كما يروي أبو داود والترمذي قال ابن القيم: يُلقن شعار الإسلام عند دخوله للدنيا كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها(11) وما رواه أبو داود والحاكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) .