ربانية عالمية
أخص خصائص دعوتنا أنها ربانية عالمية :
أ ـ أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا ، أن يتعرف الناس إلى ربهم ، وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموا بأنفسهم عن جمود المادة الصماء وجحودها إلى طهر الإنسانية الفاضلة وجمالها. نحن الإخوان المسلمين لنهتف من كل قلوبنا:
"الله غايتنا" فأول أهداف هذه الدعوة أن يتذكر الناس من جديد هذه الصلة التي تربطهم بالله تبارك وتعالى والتي نسوها فأنساهم الله أنفسهم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21) . وهذا في الحقيقة هو المفتاح الأول لمغاليق المشكلات الإنسانية التي أوصدها الجمود والمادية في وجوه البشر جميعاً فلم يستطيعوا إلى حلها سبيلاً ، وبغير هذا المفتاح فلا إصلاح .
ب ـ وأما أنها عالمية فلأنها موجهه إلى الناس كافه لأن الناس في حكمها إخوة : أصلهم واحد ، وأبوهم واحد ، ونسبهم واحد ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى و بما يقدم أحدهم المجموع من خير سابغ وفضل شامل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) . فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان ، ولكن ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان .
قرأت لأحد زعماء الغرب أنه يقسم الجنس البشرى إلى مبتكرين ومحافظين ومخربين ، وهو يعتبر قومه مبتكرين ويعتبر قوما آخرين من الغربيين محافظين ، ويعتبرنا نحن الشرقيين وما إلينا عدا هذين مخربين ومدمرين , هذا التقسيم ظالم جائر فضلا عن أنه غير صحيح بأصله ، فالجنس البشرى كله مرده إلى دم واحد وطينه واحدة وإن اختلفت البيئات والوسائط والمدارك والثقافات . وإذا هذب الإنسان استطاع أن يرتقي من رتبته إلى أعلي منها بدرجة ما يصل إليه من تهذيب . وليس هناك جنس من بني آدم لا يمكن إصلاحه في حدود ظروفه وبيئته الخاصة به . هذا من جهة , ومن جهة أخري فإن هذا الشرق الذي وضع في صف المخربين والمدمرين هو مبعث المدنيات ومشرق الحضارات ومهبط الرسالات ، وهو مفيض ذلك كله علي الغرب ، لا ينكر هذا إلا جاحد مكابر . ومثل هذه المزاعم الباطلة إنما هي نزوات من غرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر علي أساسها نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات , وما دام في الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الأخوة فيرفعونه خفاقاً ، ويستظلون بظله الوارف الأمين ، ولن يجدوا طريقاً معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذي يقول كتابه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13) . ويقول نبيه r : (ليس منا من دعا إلى عصيبة ، وليس منا من مات علي عصيبة) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم t .
ولهذا كانت دعوة الإخوان المسلمين ربانية إنسانية .