لماذا يرفض الإخوان ترك السياسة؟!
بقلم: د. رفيق حبيب
هناك العديد من الدعوات الموجهة لجماعة الإخوان المسلمين، وتنصحها بترك العمل السياسي؛ لأن النظام الحاكم لن يسمح للحركة الإسلامية بالوصول إلى السلطة، كما أن الظروف الإقليمية والدولية لن تسمح لها بذلك، وإذا وصلت الحركة الإسلامية إلى السلطة؛ ففي الغالب لن تستطيع القيام بما تريد من دور، وربما تمنع من الاستمرار في السلطة بأي وسيلة؛ حيث قد تتعرض لحصار دولي شامل.
ولكن في المقابل هناك أيضًا دعوات أخرى لجماعة الإخوان تنصحها بمواجهة النظام الحاكم لفرض الديمقراطية والإصلاح السياسي عليه، على أساس أن استمرار الوضع الحالي يمثل نزيفًا مستمرًا لجماعة الإخوان، قد يؤدي في النهاية إلى بقاء النظام الحاكم، واستنزاف قدرات وإمكانيات جماعة الإخوان المسلمين.
وبين الدعوة إلى ترك السياسة، والدعوة إلى التصعيد السياسي؛ نجد أن جماعة الإخوان المسلمين اختارت طريقًا بينهما، وهو الاستمرار في العمل السياسي دون تركه، مع تجنب التصعيد مع النظام الحاكم؛ حتى تتجنب المواجهة الشاملة مع النظام. وقد يرى البعض أن هذا الموقف مكلف للجماعة، ولا يحقق أية نتائج مرجوة، على أساس أنه يكلف الجماعة ثمن العمل السياسي، وفي نفس الوقت لا يتيح لها تحقيق الإصلاح السياسي، كما لا يتيح لها في نهاية الأمر الوصول إلى السلطة؛ مما يجعل من المهم تقييم المواقف المختلفة، حتى نصل إلى أفضل منهج للعمل السياسي بالنسبة لتيار الوسطية الإصلاحية، والتي تعد جماعة الإخوان المسلمين من أهم روافده الأساسية.
وأهم الأفكار المطروحة، هي:
1- من السياسة ترك السياسة:
تقوم فكرة ترك العمل السياسي على أساس أن الظروف غير ملائمة لهذا العمل؛ لأن الأنظمة الحاكمة تعتبره تحديًا لوجودها وقدرتها على البقاء في السلطة؛ مما يجعلها تحاصر الحركات الإسلامية لمنعها من الوصول إلى السلطة، أو حتى الاقتراب من تحقيق ذلك. وهذه النظرة تفترض أن تكلفة العمل السياسي الآن أكبر من النتائج التي يحققها؛ مما يلزم معه تأخير مرحلة العمل السياسي إلى مرحلة مستقبلية، حتى تكون تكلفة العمل السياسي مناسبة لما يمكن أن يتحقق من نتائج، كما تفترض هذه النظرة أن العمل السياسي يؤدي إلى حصار الحركات الإسلامية بما يعرقل عملها الدعوي، ويعرقل عملية إصلاح المجتمع، بما يجعل تكلفة العمل السياسي مرتفعة لحدِّ أنها تعرقل تحقيق أهداف الحركة الإسلامية الأخرى.
2- من السياسة تجنب المواجهة:
تستند هذه الفكرة على أن المواجهة مع الأنظمة الحاكمة لها تكلفة مرتفعة للغاية، لدرجة أن تلك التكلفة سوف تتجاوز أية نتائج يمكن تحقيقها، بمعنى أن النتائج النهائية للمواجهة مع النظام الحاكم؛ سوف تؤدي إلى دفع ثمن باهظ من قِبل الحركة الإسلامية، دون تحقيق ما تريد من إصلاح سياسي، ولن ينتج عنها أي تحول نحو الديمقراطية، وربما تؤدي هذه المواجهة إلى فقد الحركة لتنظيمها؛ مما يجعلها تعود إلى نقطة الصفر تقريبًا، وهو ما يجعلها تعيد بناء تنظيمها من جديد، إذا تمكنت من ذلك أصلاً.
3- من السياسة ترك الحزبية:
تقوم فكرة العمل السياسي العام وغير الحزبي على تصور منطقة وسط بين البعد عن العمل السياسي، وبين الدخول في مواجهة شاملة مع النظام الحاكم، وهذه المنطقة هي منطقة العمل السياسي العام، أي المشاركة والإيجابية السياسية، والتي تمثل أحد المهام التي يفترض أن يقوم بها كل فرد من المجتمع، وهذا التصور يتناول العمل السياسي العام في مرحلة ما قبل الحزبية، أو مرحلة ما قبل التنافس للوصول إلى السلطة، ويرى هذا التصور أن المشاركة في السياسة العامة؛ هي واجب رئيسي لا يمكن تجنبه، على الرغم مما له من تكلفة، وهو في كل الأحوال مرحلة ضرورية تسبق أية مرحلة للتنافس على السلطة، كما أنه ضرورة لازمة لكل عمل يهدف إلى تحقيق الإصلاح الشامل، وكل عمل يضع في اعتباره ضرورة الإصلاح السياسي، وأيضًا كل عمل يهدف في النهاية إلى تحقيق النهضة الحضارية الشاملة.
4- من السياسة مواجهة الاستبداد:
تقوم هذه الرؤية على أن أي إصلاح سياسي لا يتم أساسًا من خلال مجرد ممارسة النشاط السياسي العام، وأن الأنظمة التي ترفض التداول السلمي للسلطة، لن تتيح أي نوع من المنافسة التي يمكن أن ينتج عنها انتهاء وجودها في السلطة، ومعنى هذا؛ أن تغيير النظام السياسي من الاستبداد إلى الديمقراطية، لن يأتي من مجرد المشاركة في الحياة السياسية والعامة، ولكن يأتي من حدوث مواجهة شعبية واسعة مع النظام الحاكم؛ حتى يفرض عليه التحول إلى الديمقراطية، أو يفرض عليه ترك السلطة.
معادلة التكلفة وقياس الواقع
إذا تأملنا تلك الرؤى المختلفة سنجد أنها تختلف في قياسها للواقع، وبالتالي قياسها لحجم التكلفة مقارنة بالنتائج المتحققة، وبالتالي فالفروق بينها تتمثل في تقدير نتائج كل وجهة نظر على أرض الواقع، فالاتجاه الذي ينادي بترك العمل السياسي في هذه المرحلة؛ يتوقع أن ينتج عن ذلك انتشارًا واسعًا لدعوة الحركة الإسلامية، والاتجاه الذي يركِّز على العمل السياسي العام، ويؤجل التنافس الحزبي للوصول إلى السلطة، يعتقد أن ممارسة العمل العام هي الخطوة التي تمهد لمرحلة الإصلاح السياسي، وبالتالي تصبح مرحلةً ضروريةً قبل الانتقال إلى أية مرحلة أخرى. والاتجاه الذي يركِّز على المواجهة مع النظام الحاكم، يعتقد أن التحول الديمقراطي لن يحدث تدريجيًّا، وأن ممارسة العمل العام لن تؤدي إلى تراكم، من شأنه أن يحقق الإصلاح السياسي، وأن النظم المستبدة لا تسقط إلا بالمواجهة.
وجماعة الإخوان المسلمين ترى أن العمل السياسي العام ضرورة في هذه المرحلة، بل إنه جزء من المسئولية الوطنية التي لا يمكن تركها، كما ترى أهمية تأجيل التنافس الحزبي، والعمل على الوصول إلى السلطة، كما تؤجل أية مواجهة مع النظام الحاكم لفرض الديمقراطية، على أساس أن المجتمع غير مؤهل بعد؛ لخوض معركة مع النظام الحاكم من أجل فرض الديمقراطية.