تفتح الأفق أمام عمل إسلامي أصيل، متكامل .
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Cpw00374
تفتح الأفق أمام عمل إسلامي أصيل، متكامل .
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Cpw00374
تفتح الأفق أمام عمل إسلامي أصيل، متكامل .
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
الوقت هو الحياة
بيان تأسيس جبهة التغيير
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله 1-87 تنبأ نحناح رحمه الله بثورة الشعوب العربية 2001 وصية الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله وحدة حمـــــــــــــــــــاس وفتــــــــــح حق العودة إلى الأرض إنا باقوووون على العهد
البث الحي لقناة الجزيرة
مواضيع مماثلة
توقيت لجميع العالم

https://i.servimg.com/u/f63/13/03/17/45/th/21212110.gif

دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
توقيت الأذان
المواضيع الأخيرة
» إستفتاء حول العهدة الرابعة
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالجمعة 11 أبريل 2014 - 17:31 من طرف جبهة التغيير

» منتدى شباب جبهة التغيير سيدي فرج
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالخميس 9 يناير 2014 - 22:01 من طرف جبهة التغيير

» الوزير الأول يفتح النار على المعارضة
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالجمعة 13 ديسمبر 2013 - 12:02 من طرف عزالدين

» دعوة عامة ندوة - العلم مفتاح التغيير-
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالأربعاء 4 ديسمبر 2013 - 22:51 من طرف عزالدين

» رسالة الأسبوع للأستاذ عبد المجيد مناصرة
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالأربعاء 4 ديسمبر 2013 - 22:44 من طرف عزالدين

» امنعوا أرانب السياسة من إفساد الرئاسة
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالجمعة 29 نوفمبر 2013 - 21:37 من طرف عزالدين

» مناصرة: لا معنى للمنافسة مع وجود الرئيس المترشح
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالأربعاء 27 نوفمبر 2013 - 21:20 من طرف عزالدين

» الدخول اليومي للصلاة على حبيبنا محمد(صلى الله عليه وسلم)
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالثلاثاء 26 نوفمبر 2013 - 23:18 من طرف جبهة التغيير

» عــــــــــــــــــــــــــــــــــــاجل : ‭ ‬قتلى وجرحى‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬انتحاري‭ ‬بالأكاديمية‭ ‬العسكرية‭ ‬بشرشال
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالسبت 27 أغسطس 2011 - 2:22 من طرف عزالدين

» عــــــــــــــــــــــــــــــــــــاجل : ‭ ‬قتلى وجرحى‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬انتحاري‭ ‬بالأكاديمية‭ ‬العسكرية‭ ‬بشرشال
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالسبت 27 أغسطس 2011 - 2:00 من طرف عزالدين

» مناصرة يدعو السلطة إلى ''إعادة قراءة الوضع في ليبيا''
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالسبت 27 أغسطس 2011 - 1:41 من طرف عزالدين

» حمل شعار جبهة التغيير الوطني
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالأربعاء 10 أغسطس 2011 - 3:42 من طرف عزالدين

» التجمع الشعبي بالجزائر العاصمة
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالأحد 8 مايو 2011 - 19:08 من طرف عزالدين

» سامحنا ياشهيد
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالخميس 5 مايو 2011 - 16:20 من طرف عزالدين

» النواب يصوّتون بالأغلبية وزياري يشهر عصا القانون الداخلي
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالثلاثاء 26 أبريل 2011 - 16:38 من طرف المظفر

أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
عزالدين - 525
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
عبد الباقى - 272
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
ام امين - 100
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
ام سلسبيل - 66
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
أبو عبيدة - 59
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
nadir - 34
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
جبهة التغيير - 28
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
الياسين - 24
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
رونق الدعوة - 21
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
AbouAhmedYacine - 21
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_rcapمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Voting_barمختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Vote_lcap 
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 11 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 11 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 61 بتاريخ الإثنين 26 فبراير 2024 - 12:32
المواضيع الأكثر نشاطاً
الدخول اليومي للصلاة على حبيبنا محمد(صلى الله عليه وسلم)
قصص.. معاني ودروس في تطوير الذات
ربى اجعلنى مقيم الصلاه ومن ذريتى
تهنئة المنتدى
الإمام الشهيد حسن البنا
متابعة ملتقى الشيخ محمد بوسليماني أول بأول
مباراة الجزائر روندا
المخيم الصيفي العائلي الأول لحركة الدعوة والتغيير العاصمة
تعريف بالإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله
الأنانية وحُب الذات
المواضيع الأكثر شعبية
الماثورات - للامام الشهيد حسن البنا - اذكار الصباح والمساء.PDF
تحميل كتاب - مجموعة الرسائل - الامام الشهيد حسن البنا
الإمام الشهيد حسن البنا
فخامة الرئيس هذا حقي عليك
05 جويلية 1962/2010 عيد الاستقلال الجزائر
الدخول اليومي للصلاة على حبيبنا محمد(صلى الله عليه وسلم)
فضيحة أخلاقية بالإقامة الجامعية للبنات 1500 سرير بمستغانم
بيان تأسيس حركة الدعوة والتغيير
تحميل كتاب - دروس في الكتمان من السيرة النبوية -تاليف محمود شيت الخطاب
حركة الدعوة والتغيير:الرؤية الجديدة
المواقع الصديقة





طالع الصحف الوطنية



















أختر لغة المنتدى من هنا
أختر لغة المنتدى من هنا

 

 مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عزالدين
المدير العام
المدير العام
عزالدين


ذكر
عدد الرسائل : 525
النقاط : 1006
التميز : 8
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Empty
مُساهمةموضوع: مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله   مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالجمعة 2 يوليو 2010 - 0:37

مختارات من مقالات الشيخ
الراشد حفظه الله
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Rachadcloisrightlih


| كتب الشيخ أحمد الراشد |
طمع محرك، ورحمة
مغرية - الهدم الصعب - الخيرية المتناقصة - جمال الفضائل سبب تخليدها -
التراجع
يضعف الهمم - اعتداد بلا غرور - مجازات المواعظ لا تفهم بجمود - ليست
الصغائر مثل
الكبائر - أنصوفنا معاشر النقاد - باب مفتوح لكل طارق - نحاسب بالحسني ولا
نفضح -
لا نرضى ببدعة - السياسة كلها ترجيح بين المصا
لح



ومن العوائق:
الهزيمة النفسية أمام كثافة نقد المتهجمين، حتى إن الداعية
ليظن بنفسه السوء.



ذلك أننا مازلنا
نسمع بين الفينة والفينة نقدا من الدعاة لأنفسهم، يتخذ
أحيانًا عند بعض متحمسيهم شكل تقريع، يتهمون خلاله أنفسهم بأنهم قصروا عن
الوصول
إلى منازل السلف، وأن بينهم وبين الصفات التي يحكيها التاريخ لنماذج اسلف
الصالح
الأول من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، والتابعين وتابعيهم بإحسان رحمهم
الله،
بونا شاسعًا، وأن الفاحص يتلفت فلا يرى أحدًا سما وعلا في أخلاقه وعبادته
وجهاده
إلى درجة يماثل بها أولئك النبلاء النجباء.





وقد يتخذ هذا التقريع
بعدًا آخر يتفرع منه، يضع الدعاة في موقف المتهم
لمناهج التربية الإسلامية الحركية، ويحملها مسؤولية هذا القصور.



ولسنا نشك في أن
هذه الظاهرة ظاهرة صحية في مجتمعات الدعاة، وأن فحص النتائج
ومعاودة الحساب فضيلة راجحة على السير الجزاف الذي لا يعطف المرء فيه إلى
مناقشة
العمل.



ولكن جمال هذه
الظاهرة لا يكتمل إلا بمناقشة وتقويم من قبل المجربين لما
يطرح من تساؤلات وشكوك في هذا الباب، وهذا ما يحدونا إلى أن نطلب من الدعاة
مصاحبتنا خلال هذه الفقرات في عملية وزن للقضية، نحاول أن نكون حكما فيها،
يكشف
حقيقة الرصيد الحاصل، وطبائع النقص الواجب استدراكه.



والذي ندعو له
ابتداء أن يرى الداعية الناقد لنفسه فروقا واضحة بين جيلنا
وأجيال السلف، وظروفا قد تغيرت، ولا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار حين
البحث.






طمع
محرك، ورحمة مغرية



فأول ما يبدو
هنا من ذلك أن المربي بالأمس غير المربي هذا اليوم، فلقد كان
النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون المهديون، ومن وازاهم من
قدماء
المهاجرين ونقباء الأنصار، هم المربون لذلك الجيل السالف الذي فتح الله
تعالى على
يديه الفتوح العظيمة. وتلك بركة أنيل لها في خصوصية واضحة، من لدن متفضل
لطيف منعم
سبحانه لا ينبغي لأحد ممن بعد جيلهم أن يسمح لنفسه في أن يأمل عشرها فضلا
عن
مثلها. بل لقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبعض الجيل الأوسط من
الصحابة رضي
الله عنهم أنهم لن يبلغوا نصيف مد أحد من رعيلهم الأول، كما روى مسلم في
صحيحه،
فكيف بمسلمة الفتح ومن تلاهم؟



فكل متصد
للتربية بعدهم ناقص –ولابد- عنهم، وإنما فرضتنا الحاجة التربوية
فوضعتنا في مقام الأستاذية بعضنا لبعض طمعا في أن ننال بالتواصي الجماعي
بالحق
وبالصبر ما يكمن أن ينال من جميل الخصال الإيمانية، ومحاسن الصفات
الإسلامية.



فنحن بهذا الطمع
نتحرك، من دون تطلع لمنافسة السلف الصالح، فإنهم قد
استبدوا بالحظ الأوفر من الفضل، وبالنصيب الأوفى من المحاسن، ومتجرد عن
الأدب ذاك
الخلف الذي يطيل عنقه تكلفا ليصل برأسه إلى مستوى رفعتهم، ولولا حديث
(اعملوا فكل
ميسر لما خلق له) لفترت الهمم، وركت العزائم، ولكنها رحمة الله واسعة، تطمع
الطامع
وتغريه، فيتشبه بالكرام عسى ولعل.






الهدم
الصعب



ولو عكسنا
رؤيتنا لجابهتنا حقيقة
مقابلة لهذه، تفصح عن أن المتربي هذا اليوم هو غير سلفه المتربي، وليس
المربي فقط،
فاليوم يشهد المجتمع تصارعا بين مناهج تربوية مختلفة، يقف المنهج التربوي
الإسلامي
في خضم تصارعها، ونجد الفرد الشاب الذي نحاول تربيته مختلط الفكر، موزع
القلب،
مضطرب النفس، من جراء ما خضع لهذا الحشد الشديد المتناقض من مواد التربية
التي
تصبها عليه مناهج المدارس والجامعات، وبرامج الإذاعة والتلفزيون، ولغو
الصحف
والمجلات، ولكلها تأثيرات تصادم كلام المربي المسلم، وتؤثر سلبًا على
تلميذه.



أما جيل السلف
فكان جيلا بسيطا فطريا، وكان العرب بخاصة في عزلة عن الأمم،
وما ثم إلا شركهم بالله تعالى شركا بدائيا غير معقد، يعبدون خلاله الأصنام
لتقربهم
إلى الله زلفى، وهم أهل صدق في المقال، وعفاف في الجوارح، قد غمرتهم خلوتهم
الصحراوية بسكينة افتقدتها الأمم، ولم تكن لهم فلسفية جاهلية تناقض الإسلام
الجديد، ولا يعرفون الجدل في ذلك، بل فيهم بقية من الحنفية الإبراهيمية،
حتى لقد
كان زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله يجهر بالتوحيد عند الكعبة، ويدعو العرب
إلى ملة
إبراهيم، قبل أربع سنوات فقط من نزول القرآن، فكان صنيعه وصنيع أمثاله من
آخر
الحنفيين المهديين، إرهاصًا بين يدي دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-
بمثابة
التمهيد وإثارة تطلع العرب إلى الدين القديم الجديد.



ومن هاهنا، فإن
جهود النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهود أصحابه رضي الله
عنهم، في التربية من بعده، قد أثمرت كلها ولم يتبدد شيء من جهدهم سدى،
لجودة معدن
المتلقي المتربي، وخلو فكره عما يناقض ما يقال.



بينما نبذل
اليوم جهدًا كبيرًا لإصلاح ما أفسدته التربيات المختلفة في نفوس
تلاميذنا، ونسلك معهم طريقا طويلا لإيصالهم إلى منزلة الحياد، إن صح هذا
التعبير،
لنبدأ من بعد ذلك بإعطائهم مفردات الإسلام، وهي عملية شاقة، عملية استلال
بقايا
الجاهلية من نفوس المتربين التلامذة، فبعضهم يحن حنينا إلى شيء من طباعه
الماضية
وقد كنت تظن أنه قد استكمل الإيمان أو قارب، وكم من حيصة يحيصها المتربي
قبل
النهاية تعلم المربي ضرورة إطالة النفس في هدم تأثيرات ورذائل التربيات
المعاكسة
في نفس التلميذ الثاني اللاحق له قبل بناء قواعد الإسلام فيه.



ولا شك أن عملية
الهدم والبناء عملية مزدوجة تتم في آن واحد، ولا نريد أن
يعترض معترض على ألفاظنا هذه، ولكنها ألفاظ لا بد منها لتوضيح المعنى.



ومما يمكن أن
نحتج به ونتخذه دليلا في هذا الصدد، أن الفرس وأمم الهند،
كانت لهم فلسفات جاهلية وكتب مدونة، سببت اختلاط إسلام كثير منهم بالبدع
حين
أسلموا، وعاند كثير منهم، ولم تظهر فيهم نماذج عالية في حياز صفات الإسلام
بمثل
كثافة ظهورها في العرب أول ما افتتحت الفتوح، مع أن المربي واحد، وإنما
شاعر فيهم
الخير من بعد دهر طويل نسوا فيه جاهليتهم تلك، واندثرت معالم فلسفاتهم.



وتكررت هذه
الظاهرة مرة أخرى في عصر الإسلام الأوسط حين دخلت شعوب جديدة في
الإسلام كانت متأثرة بفلسفات الإغريق والرومان، فلم يكثر فيهم النبلاء إلا
من بعد
دهر.



كذلك نجد صدى
هذه الظاهرة جليا لما شاعت في زمن المأمون ترجمات كتب أرسطو
وأفلاطون، فضعفت الهمم، وندرت نماذج الخير، حتى أن المتفحص للتاريخ ليجد
صدورًا
غريبا عن كتب سقراط لا يفهمه لأول وهلة، ولكن عجبه يزول حين يعلم أن سقراط
كان
أقرب إلى التوحيد من أولئك، فركنوه جانبًا، ولولا وقفة إمام السنة أحمد بن
حنبل
لضعفت دولة الإسلام، لكن الله رفأ به الفتق وسد الخرق.



ومرادنا من كل
هذا: التنبيه على أن بعض جهودنا التربوية اليوم تهدر بلا سبب
منا، ولا سبب من المتربي، ولكنها جناية الجاهليات المعاكسة على الجيل
الحاضر.






الخيرية
المتناقصة



ومع ذلك فإن
احتمال ظهور نماذج تقابل نماذج السلف ممكن، لكنهم لن يكونوا
إلا قلائل، ويجب أن نوقن أن الله تعالى شاء ذلك، وأراده وكتب علينا أن نكون
أقل
استمتاعًا بجمال الإسلام عما كان عليه السلف، فإن الحديث الصحيح ينطق بأن
خير
القرون قرنه -صلى الله عليه وسلم- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.



ولو جمعنا هذا
الحديث إلى حديث شرار الناس من تقوم عليهم الساعة وهم أحياء
" المروي ي دواوين الصحيح أيضًا، لتبين لنا أن خيرية الأجيال في تناقص
وتقلص
مستمر، وأن القدر قد جعل المنافسة من الآخر للأول مستحيلة، لكنها المقاربة
والتسديد، من غير أن يدب إلى نفوسنا يأس في حيازة بعضنا لما حازته أجيال
السلف من
المكارم، فإن عصابة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تزال ظاهرة على
الحق حتى
تقوم الساعة، كما نطق الحديث الصحيح، ولا ندري أينا الموفق لأن يكون يها،
وعلينا
أن نصارع القدر بالقدر، كما أرشدنا إلى ذلك عبد القادر الكيلاني رحمه الله
حين ذكر
أنه قد فتحت له روزنة، أي فتحة مثل الشباك، فرأى سفينته تجري في بحر القدر
تلاطمها
أمواجه، فهو يصارع القدر بالقدر، ومما قدره الله لنا أننا في الجيل المتأخر
المفضول، فنصارعه بقدر الخير المتمثل بالعمل على الانتساب لهذه العصابة،
ونعمل لما
يتيسر لنا، مدافعة وتحويلا لقدر الشر المتمثل بتناقض الخيرية.






جمال
الفضائل سبب تخليدها



ولا يغيبن عن
الأذهان أن الكتب التي عرفتنا بأحوال السلف قد أرخت الفضائل
بأكثر مما أرخت نقص الناقصين، وما من شك ي أن أساتذة التربية يميلون إلى
تاريخ هذا
النقص، ليبتعد عنها الموفقون، ميلهم إلى تاريخ الفضائل، ليقتدي بها
المشمرون، ولكن
في النفس الإنسانية ميلا إلى حب الجمال فطريًا، مقتبس من حبه سبحانه وتعالى
للجمال، إذ هو جميل يحب الجمال، كما في الحديث الصحيح عند مسلم، كمثل ما
اقتبس
الله للإنسان والحيوان شعبة من فيض رحمته الواسعة هو عز وجل، فكانت كتب
التاريخ،
لذلك أكثر إظهارًا للفضائل، لجمالها، من إظهار العور والنقص والحيصات، فنحن
نرى
الصورة الفاضلة لمجموع أجيال السلف، وغابت
عنا هفواتهم بتأويل من تأول تغيبها، جمعًا للقلوب، وسدًا لباب التناحر
والفتن
والطعن فيهم، وهكذا أصبحنا نظن أن السلف أصحاب كمال مضاعف عما هو عليه
أمرهم
حقيقة.


وليس هذا من
الطعن بالسلف بحال من الأحوال، فإن قد قدمنا
من الكلام ما ينفي هذا الوهم، ونعلم أن الله سبحانه وتعالى يزن المسلمين
بميزان
سورة الأحقاف، في قوله (أُولَئِكَ
الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَن
سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا
يُوعَدُونَ)، ونعلم أن الله قد ذكر
ذلك لنا إرشادًا
وتنبيها وتأديا وتعليمًا، وأن من رجحت حسنات هو الراجح، وقط عظم خيرهم، وفي
التأول
لهفواتهم مندوحة.




نعم، إنه ليس من
الطعن، ولكنها دعوة إلى الواقعية في فهم
تاريخنا لابد منها لتوضيح الجواب للذين يلومون أنفسهم، ودليلنا: ما ذكروه
من أشياء
على سبيل المدح عن آحاد منهم دون سائرهم، من شدة التعبد، وصلاح الباطن،
والشجاعة
الفائقة، ونحو ذلك، فلو لم يكن المجموع قاصرًا بعض القصور على المستوى
المثالي
الذي وضعناه فيه، لما تميز هؤلاء بالفعل المذكور عنهم.




وهذه الطبيعة في
المؤرخين مستمرة تقتضيها صنعة التربية،
حتى إننا لو قرآنا بعض الصحف الإسلامية ترثي بعض خيار أموات المسلمين
اليوم، من
الدعاة والعلماء والمجاهدين والمنفقين، لرأينا أوصافا تصورهم كأنهم السلف،
بينما
نحن نعرف بحكم معايشتنا لهؤلاء المرثيين هفوات وكبوات أغفل ذكرها من كتب
رثاءهم،
لا من باب التدليس والتمويه والتزلف، بل من باب تربوي بحت’ غايته إثارة
الهمة في
الأحياء للاقتداء بمحاسن فعالهم.




فقس ما كان يجري
بين السلف من ذلك على ما يجري بيننا من
هذا.








التراجع يضعف
الهمم




يضاف إلى هذا
أننا الآن في فترة اجتماعية وسياسية ميزتها
التراجع والتدهور إذا قسناها وفق موازين التمدن، وقد شاهد ابن خلدون في
مقدمته،
وغيره من علماء الاجتماع، أن أعمار الدول كأعمار بني آدم، وأنها تبدأ بقوة
وفتوة،
ثم يستوى أمرها على نسق هادئ، ثم يميل إلى التأخر التدريجي حتى تنقضي تلك
الدولة،
فتتأسس على أنقاضها دولة جديدة تأخذ الأمر بقوة وتستأنف الانتصار.




والإسلام قد
مثلته خلال تاريخه دول متعاقبة انطبق عليها
هذا الميزان، وكل منها قد أجاد وأفاد، وحمي الإسلام، وفتح الفتوح، فتأججت
حماسة
المسلمين أبناء تلك الدول في فورات متعاقبة حفظت للإسلام حيويته، كما أنه
ليس من
هذه الدول دولة إلا وتورطت في هفوة أو تقصير يقابل إحسانها.




وجيل المسلمين
الحاضر يعيش فترة تراجع شديد بانقضاء عمر
الدولة العثمانية، تولد عنه فراغ، بانتظار قيام دولة جديدة تمثل الإسلام،
لابد
أنها آتية إن شاء الله. وفي مثل هذا الفراغ تضمحل الحماسة، فتبقى حماسة
الأفراد
معتمدة على ذاتيتهم المحضة ووعظ الواعظين، تظاهرها أو تعينها الحماسة
العامة
السائدة في كل دولة فتية، الناتجة عن انتصاراتها المبهجة لنفوس أبنائها.




وهذا ما يعطي من
باب آخر شبه عذر تعتذر به لجيلنا الحاضر
في تخلفه عن بلوغ الدرجات العالية وقصوره عن منازل السلف، ولقد مرت فترات
في
التاريخ الإسلامي شبيهة بهذه، هي فترات نهايات الدول الإسلامية، فكان الجهل
يشيع،
وتبرد الهمم، ثم تبدأ صعودًا آخر بمجيئ دولة أخرى يحكمها مسلم موفق عالي
الهمة.




وفي الأحاديث
التي صححها الشيخ الألباني حفظه الله ما
ينبي عن قيام خلافة راشدة في آخر الزمان، كأننا في انتظارها الآن، تجدد
حيوية
المسلمين و ترفع مستوى جيلهم.








اعتداد بلا غرور



إن هذه الحقائق
توجب سلوكين.




السلوك الأول
يخصنا نحن أبناء الحركة الإسلامية، خلاصته:
لا نسرف في اتهام أنفسنا بأنواع الضعف، وأن نوقن أننا على خير وفير كثير إن
شاء
الله، وبفضل منه ومنة.




نعم، ما هو
بالخير الكامل، ولسنا كمثل السلف، لكننا أهل
عزة إيمانية ترجع بنا بعد كل هفوة إلى إصلاح الخطأ، وعلينا أن نعتقد أن
سبيل إنماء
فضلنا وتكميله ليس هو سبيل التقريع الشديد للنفس، القاتل لها، بل هو سبيل
التوبة
الشرعية مرة بعد مرة، في أول مسارنا، وفي أواسطه، وفي أواخره، فبالتوبة،
وبالتناصح، وبالتواصي بالحق والصبر: نسد ثغرات جدارنا ونكمل بناءنا.




وليس ذلك بغرور،
أعاذنا الله منه، ولا هو إدلال بهذا
القليل من العمل الذي نؤديه للإسلام، لكنه المنهج التربوي الذي ينبغي لنا
ويجب
علينا، حذرًا من أن نقع في ما وقع فيه بعض علماء العصر الأوسط من السلف،
حين
أكثروا التخويف، وتوسعوا في ذكر الوساوس ومحبطات الأعمال، حتى لف الناس
اليأس
شديد، ولم يفتحوا لهم بابا من الرجاء يقابله.








مجازات المواعظ
لا تفهم بجمود




ويصدر بعض
الدعاة في تضعيف أنفسهم ومن حولهم عن فهم جامد
حرفي لكلام الحماسة الذي نعظهم به، ويغفلون عن طبيعة المربين في إيراد
المجازات
والقصص التي يريدون منها تنويع التذكير والتفنن فيه، ليكون أدعى لدخول
القلوب، من
دون أن تكون نبيتهم طلب التطبيق الحرفي من قبل التلميذ لما يريدون.




فلقد وصفوا رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يضع
لبنة على لبنة، وما أرادوا حرفية ذلك، فإنا نعلم أنه قد كانت لكل زوجة من
زوجاته
حجرة، ولم يكن يعيش في خيمة أ, في العراء،
لكنهم أرادوا عدم تطاوله في البنيان، وتواضعه فيه، وعدم توسيعه مساحة
بنائه، ثم
يأتي متحمس من الدعاة اليوم يصفق بيديه ويسترجع، حين يرى أخا له يبني له
دارًا
تستره في مثل هذه المعيشة المعقدة الحاضرة.




وروينا خبر فلان
من السلف، لم يكن يميز الدرهم من
الدينار، وإنما أرادوا عزوف قلبه عن الدنيا، وشدة انغماسه في العلم
والعبادة، ثم
يجلس دعاة اليوم، يعيبون أخًا لهم يمارس التجارة، لم تصرفه صفقاته عن
واجباته في
الدعوة، ولو تأملوا لوجدوا أن عدم معرفة الدينا من الدرهم بالأمس يقابلها
جهل أكثر
الدعاة، اليوم جهلا مطبقا بما هنالك من مضاربات سوق الأسهم وتركهم ذلك في
سبيل
الله، مرابطة مع خطط الدعوة، إلا من نفر منهم –لله أيضًا- ليضارب، يبتغي
تحويل المال
إلى الأيدي المتوضئة.




وكذلك ما
تداولناه من قبل من خبر ذلك التابعي الذي بني
له ولفرسه حصنا بالكوفة، كأنه يبدي استعداده للجهاد، فيأتي أحد اليوم يقلده
في
ذلك.




والناظر بعين
العقل، المتأني، يعرف أن مقصد ذاك التابعي
منصرف إلى تربية الناس بمنظر عملي على معاني المرابطة للجهاد، وإلا فإنه لو
كان
يريد حرفية فعلته لبني له حصنا في جبهات القتال، وقد تجاوزت الفتوح في عهده
بخاري
وبلخ.




ومثله: ذاك الذي
لما حدثت الفتنة وضع الطين على بابه
وجعل بيته مقفلا، إلا فتحة صغيرة يتنفس منها ويتناول الطعام، فهو إنما أراد
بفعلته
هذه أن يذكر الناس بمنظر عملي معنى اعتزال الفتنة كلما مروا به وسألوا عن
سر هذا
الباب المطين، وإلا فالذي يريد أن يعتزلها يسعه أن يعزم عزمة ويدع أبوابه
مفتحة.




فعلى إخواننا أن
يثقوا بأنفسهمن ويعرفوا أن الله تعالى
قد تفضل عليهم وأسبغ عليهم نغمة من الإيمان والعلم والعمل يجب إظهار شكرهم
له
عليها، وما ثم إلا دعاء له سبحانه بأن يتم لهم نورهم.




وصحيح أن أحدنا
يجب أن تكون نفسه حساسة لأدنى تقصير، وأن
نقول مرارًا –اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا
نعلمه-
وأن نقول-نبوء بنعمتك علينا ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا، فإنه لا يغفر الذنوب
إلا
أنت-، لكن هذه الحساسية لا تقتضي مقت النفس واتهامها الاتهام المسرف الذي
يقتل فيها
تطلعها إلى الاقتداء بالسلف المهديين، فإن ذلك من العوائق.








ليست الصغائر
مثل الكبائر




إن الكثير من
حساب نفوسنا، ووزننا للآخرين من المبتدئين
العاملين معًا، نجنح فيهما أحيانًا إلى التشدد الزائد عن حد الشرع.




ففي الشرع حرام
محض بالغ الحرمة، وفيه مكروهات وصغئر ولمم،
ويمكن تمييز كل فعل ودرجاته من الإثم في ذلك من النص عليه، أو من النظر إلى
القرائن والظروف، ولكن البعض يستعظم كل الاستعظام أشياء من الصغائر يقترفها
إخوانه
لم تأت الآيات وكلمات النبي -صلى الله عليه وسلم- مستعظمة لها بمثل ذلك
بمقدار ما
أتت تحث على التوبة منها، واتباعها بحسنات تمحوها، من صدقة وصلاة، والنظر
إلى رحمة
رب رحيم يقبل أوبة المتورط فيها.




وانظر الزنا
المحض والكذب مثلا، تجد الشرع متشددًا فيهما
كل التشديد، ادًأ لهما في جملة الكبائر، واعدًا من يبرأ في حياته منهما
بالجنة،
وذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: (من تكفل لي بما
بين
فخذيه ولحييه: تكفلت له بالجنة). أي تكفل بسلامة فرجه من الزنا الحقيقي
الذي يكون
في التقاء الفرجين، وبسلامة لسانه من الكذب.




ومفاد ذلك أن
النظر الحرام وما وازاه، واللغو والتنابز
وأمثالها من الصغائر، إذا خالطت تلك العفة، فإن الجنة تبقى غير بعيدة عن
العفيف،
لا يلزمه لتمام قربهاغير حسنات يسيرات يكون فيهن تكفير صغائره.




ويتأكد ذلك إذا
علمنا أن الله تعالى قد كتب عدم الكمال
على كل البشر في هذا الباب المتعلق بالزنا والكذب، قدرًا محتومًا عليهم،
يدرك كل
إنسان من مقدماتهما والصغائر المشتقة منهما شيئا مهمًا عف فرجه، فإن الحديث
المروي
في صحيح البخاري يذكر صراحة أن: (كل ابن آدم مدرك حظه من الزنا لا محالة،
فزنا
العينين النظرن وزنا اللسان المنطق) فلا يوجد البرئ براءة تامة، بل هو
مقارف لبعض
فروع الزنا والكذب التي يصدق عليها اسمهما مجازًا، لا محالة ولا مفر له من
ذلك،
وأن ترك تلكما الكبيرتين الحقيقتين، وذلك يوجب علينا أن لا نذهب في التشدد
في
توثيق مقترف هذه الصغائر إلى حد التزمت وتضعيفه تضعيفا مطلقا، بل نلتزم حد
الشرع
الذي ميزها عن الكبائر.




هكذا وقس على
الزنا والكذب بقية الكبائر وفروعها من
الصغائر.




ورب ظان يظن أن
في مثل هذا الكلام من التساهل والتجريء
للداعية على اقتحام اللمم والإكثار منه ما يولد مفاسد كثيرة ويهون أمر
المعاصي
عليهم فيستجيزونها، وذلك وهم، فإن الكلام التربوي لا يفهم بتجزئ، ونحن لا
ندعو إلى
ترك هذا التزمت ساكتين عن حقائق الشرع الأخرى، بل تلح إلحاحًا، ونلهج
لهجًا،
بتزيين الفضائل الإيمانية والدعوة إلى التمسك بها والتنافس في الإكثار
منها، وغض
البصر وترك اللغو من هذه الفضائل التي تميز الدعاة إلى درجات وطبقات، ما
بين متعفف
عنها شامخ بعفته، في رنو إلى حوريات الجنة، كأنه يراهن في دنياه رأي عين،
فهو في
الطبقات العالية، وآخر فاتر الهمة في مقاومة الإغراء، فهو في انشغال قلب
ينزل به
إلى الدرجات الدنيا. كما نعظ المتساهل مع نفسه وعظًا بليغا، ونذكره بأن
النظر وما
ماثله من الزنا المجازي قد يجره بالتتابع، وباستدراج من الشيطان، في لحظة
شهوة وغفلة،
إلى الزنا الحقيقي الذي يحرمه كفالة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالجنة،
كما
نذكره بأن الذي يتصدى لمرتبة دعوة الناس وتعليمهم غير العامي من المسلمين،
فإن
الداعية تعظم منه الصغيرة، ويكون بها في صد عن سبيل الله، إذا اقتدى
بفهواته
المقلدون، وفي صدود بغفلته عن ذكر وتسبيح كان منبغيًا له وتساعده الخطة
الجماعية
عليه وقت ما ألهته الصغائر، وهذا الصدد والصدود شعبة تقرب من الكبائر
بالنسبة
إليه، ويظل إثمها على الفرد المتسبب أو العامي دون إثمها عليه بكثير.




وفي قصة جريج
العابد، الواردة في صحيح البخاري، مغزى جد
كبير. ذلك أنه عصى أمه فلم يجبها، انشغا بصلا نافلة، فدعت عليه بالشر، وكان
منتهي
دعائها أن يري وجه المومسات، فكانت قصته مع البغي المتهمة له وهو من الزنا
بريء،
فالداعية المتوغل في طريق الدعوة، المتجاوز لمرحلة الابتداء، مثله مثل جريج
في
عبادته، يكون من أقصى العقوبة له أن يرى امرأة زانية فضلا عن أن يزني بها،
فتدبر
وتأمل!!




وكذلك يرد هنا
في هذا السياق أيضًا التفريق بين المقل
والمكثر من هذه الصغائر، والمصر والمستغفر، من باب ما ذكره الفقهاء من أنه
(لا
صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار).




وأيضًا فإن
النظر إلى المرأة المصلية الملتزمة المحجبة،
وهو الذي كان أكثر ما يعنيه الفقهاء، غير النظر الذي تتيحه ظروف الحياة
اليوم إلى
المتبرجات بسبب سيرهن في الشوارع العامة أو أثناء مخالطتهن في الجامعة
وأماكن
العمل، مما تكون فيه النظرة الأولى جالبة لثانية دون فضول.




وهذا الذكر لهذه
الحقيقة الشرعية في أمر الزنا، والدعوة
إلى التشدد إزاء مرتكب الكبيرة فيه، والتساهل إزاء مرتكب فروعه من الصغائر،
إنما
شأنها شأن حقائق شرعية كان ذكرها مفسدة على بعض المسلمين، لما فهموها فهما
ابتداعيا مصحوبا بجهل، ولكن وقوع المفسدة لن يغير من نسبة رجحان ذكر هذه
الحقائق
ونشر علمها بين المسلمين.




فمن ذلك حديث
أبي ذر رضي الله عنه، في دخول قائل لا إله
إلا الله الجنة، وكيف أحب أن يبشر بذلك الناس، ولكن النبي -صلى الله عليه
وسلم-
منعه خوفا أن يتكلوا ويدعوا الأعمال، فإن أبا ذر أخبر بهذا الحديث عند
موته خشية منه أن يقع في إثما كتم العلم، وصار
حقيقة شرعية وبندًا في العقيدة يهدى أصحاب القلوب الحية ذات النمط الأوسط
إلى
العدل في الحكم على الناس والتهيب من تكفيرهم بمجرد ولوغهم في المعاصي، مع
أن بعض
المبتدعة قد استنبط منه التعويل على كلمة الشهادة وعاف العمل.




وكذلك حديث ذاك
الذي لا يزيد على الفروض ولا ينقص، الذي
أفلح إن صدق، قد اغتر أناس بظاهرة فاعتادوا ترك النوافل، ولكن ذلك لم يمنع
البخاري
من ذكره كحقيقة شرعية مقرونة بألوف من الأحاديث الصحيحة معه في الترغيب
بالخير
الزائد على مقدار الفرض، كما لم يمنع غيره من فقهاء الأمة من النص على فسوق
من
يهجر السنن المؤكدة هجرًا طويلا.




وقس على هذه
الأمثال، وتأمل ما سبق ذكره من عوامل
الافتراق بين جيلنا الحاضر وأجيال السلف، لينفتح لك باب مفيد من الاقتناع
بأهمية الوقوف عند حدود الشرع
في التمييز بين درجات المعاصي، وتصنيفها إلى كبائر ولمم، تخرج منه إلى
واقعية
تجبرك على مصاحبة الذين قصرت هممهم عن التملص من الصغائر، والرفق بهم،
دونما إخلال
بكلام تربوي واجب تنصحهم فيه، غير متزمت، ولا لهم بظالم.




إن أخذ مجتمع
الدعاة بالشدة في ذلك، وإشاعة عرف بالغ
الحساسية إزاء الصغائر، ربما يؤدي إلى نفع عظيم في جودة معادنهم، ويوصلنا
إلى
نتيجة تربوية جيدة، ولكنه بالمقابل يؤدي إلى جفلة الجدد وزهد الشباب في
الانتماء،
لقصور هممهم عن متابعة التعفف الكامل، وهي مفسدة تعارض تلك المصلحة
التربوية، لابد
من مراعاتها.




ومن المهم أن
تفهم أن الذي نقوله ما هو بتسويغ للتهاون،
وإنما هو دعوة إلى الوقوف مع النمط الوسط الممدوح شرعا الذي لا يجنح إلى
تفريط،
ولا يرهقه الإفراط.




ومما يقارب هذه
المسائل، ونستعمل له نفس التسيوغات: أمر
التدخين، فقد يكون الشاب معتادًأ له قبل مخالطته لدعاة الإسلام، ثم ينتمي
لهم ولا
يستطيع الفكاك من أسره، فنتجاوز عنه، والأصوب في أمر التدخين –والله أعلم-
أن لا
نجزم بحرمته، ولكن نقول بكراته الشديدة، وأن عرف الدعاة لا يستسيغه، وجعلوا
تركه
شرطًا للعاملين.




ومثل ذلك ما
اختلف فيه الفقهاء الاتقياء، إذا ملنا لرأي
المتشددين منهم فيما اختلفوا فيه، كالتأمين، والبيع والشراء بالأقساط بثمن
زائد
على ثمن التعجيل، فإن لرأي المجوزين وجها يجعل مخالفهم أميل إلى القول
بكراهة ذلك
من جزمة بالحرمة الشديدة، وعليه أن لا يسارع إلى تضعيف العامل بإفتاء
مخالفيه، بل
يقتصر على وعظه بالاحتياط والابتعاد عن الشبهات، إلا الاقتراض بالربا
والاستفادة
نم قروض البنوك العقارية، فإن الذين ذكروا جواز ذلك قد صادموا النصوص
الصريحة،
وليس لقولهم وجه، ولا لهم من التقوى نصيب واضح يتقوى به خلافهم.




ويداني هذا
الأمور ما يفتي به الداعية الحائز لبعض الفقه
نفسه في أبواب الضرورات، فربما أحاطته ظروف صعبة يجرؤ معها على فعل شيء لا
يجرو
المفتى على الترخيص له به، فيعتمد هو على فقه. وما من شك في أن هذا الأمر
دقيق
للغاية، ويحتاج لاحتياط مضاعف ولكن حد التمييز بين المسموح لهم بذلك
والممنوعين هو
مقدار الفقه الذي يملكونه فمن آنسنا منه رشدًا، ودلت سابقات على حصول نصيب
له من
الفقه، فإنا لا نستكبر منه اجتهاده ونطيل له اللسان، بل نعظه بالتقوى
والأخذ
بالعزيمة فحسب.








أنصوفنا معاشر
النقاد




وأما السلوك
الثاني فإنما يتمثل في واجب منتقدينا نحونا،
فنحن نطالبهم بمثل هذه النظرة التي تتقبل أحسن ما عملنا، وتتجاوز عن نقصنا،
ثم أ،
يدعو الله لنا في أن نكون من أصحاب الجنة.




ولقد أسرف بعضهم
في الابتعاد عن هذه النظرة، فأحصى ما
يظنه من أخطائنا، مما صدر عن آحاد من دعاة حركتنا، حاولوا الاجتهاد، فبعض
أصاب،
وبعض أخطأ.




ولو أردنا
الاستقصاء في الرد على الشبهات التي يوردها
المحصون، لوقعنا في المتاهة النفسية التي تراد لنا، ويكون ثمة انشغال عن
وجوه
النفع التي نحن ماضون فيجلبها وتحصيلها كل يوم.




ولسنا نضيق
صدرًا بنقد يوجه لنا ولا ندعي أن الله سبحانه
قد حكر لنا الصواب، لكننا ننكر الخلفية المتوترة لمثل هذا النقد، الشبيهة
بالفتنة.




والأساس في ردنا
لكل ملاحظة وجهت وتوجه لما: أن الناقدين
يغفلون مناقبنا، وجمالنا، وحسننا، ويجردون الأخطاء تجريدًا عما صاحبها من
الإصابة،
وقارنها من البذل.




إن للدعوة من
خلال انتشارها في الأقطار العربية مناقب
كثيرة، أقلها حفظ الشباب من الانجراف في المفاسد وإمدادهم بالسكينة
الإيمانية،
والطمأنينة القلبية في عصر الاضطراب، ولو لم يكن للدعوة إلا هذه المنقبة
لكفاها
ذلك فخرًا، كيف وأن مناقبها قد سارت كل مسار، فمن صحف تدافع عن قضايا
الأمة، وترد
على الملحدين، وكتب منهجية تعين الشباب على فهم الإسلام، وقتال اليهود
والمستعمرين
في فلسطين والقناة، وسعي في إعانة الناس على نيل العلاج الطبي وضرورات
الحياة عبر
عمل إغاثي واسع، وتوعية سياسية للأمة تقابل خطط الماسونية والصليبية، وأمر
بالمعروف ونهي عن منكر الطغاة الظالمين، وإشاعة للقرآن، وتحفيظه، وتعليم
آدابه،
وإنشاء للمكتبات والمساجد، حتى أن الدعاة قد تجاوزوا في ذلك بذل أموالهم
وأوقاتهم إلى
بذل أرواحهم ودمائهم، فنقش الرصاص صدورهم، والتفت الحبال على أعناقهم ولفظت
أنفاسهم كريمة تحت السياط، وفي غرف التعذيب.




هذه فعالنا،
وهذا تاريخنا، وحاضرنا من بعد مرئي مشاهد
فلم، يكون تجاوز هذه الصور الفاضلة، والمفاخر المشرفة لكل مسلم صادق
الإيمان،
ويسعي الناقدون إلى حصر المسألة في جملة أخطاء رصدوها، على فرض أنها أخطاء
فعلا
وأن الدعاة ليس لهم فياه تأويل؟




والأصل في ذلك
نقاء القيادات، وأهليتها للتصدي لمثل ما
تصدت له، وإنا لا نعلم بحمد الله فينا إلا كل قائد نجيب نبيل رفيع.




باب مفتوح لكل
طارق




أما الاتباع فلا
ننكر أن فيهم من قد يخطئ في كلامه أو
تصرفه، ولكن لابد من الانتباه إلى مسألة مهمة جدًا حين تقدير ما يصدر عن
الأتباع،
ذلك أن الدعوة ليست مجمعا للكاملين، وإنما هي مجتمع تربوي يسعى إلى تربية
كل وافد
إليه إذا كان مبتعدًا عن الكبائر، شريفا في الناس، وإذا قيل: إن فلانا قد
صار من
جملة شباب الدعوة فليس معنى ذلك أنه قد استكمل الإيمان وحاز العلم من
أقطاره،
ولكننا حين نصفه بذلك فإننا نعني أنه قد رضي بأن يربيه الدعاة، وأنه قد بدأ
السير
وفق المنهج الأصح.




وعلى هذا فإن
الأتباع، وحتى القادة، متفاوتون في كمية
حيازة خصال الإيمان وعلوم الشرع التي تجعل أعمالهم صائبة، فمنهم المبتدئ
الذي قد
يخطئ، ومنهم المتوسط في ذلك، ومنهم الذي كثف خيره، وعبق عطره.




وليست دلالة
القدم أكيدة في ذلك، وإنما هي طاقات مختلفة
من التحمل والصبر والذكاء والشجاعة، ولربما تجد القديم في منازل المبتدئين
مراوحا
إذا لم يكن له مقدار وافر من هذه الخصال الابتدائية، فقد يخطئ في تعامله،
أو في
كتاباته وأقواله.




وأمر التجميع
وقبول الأتباع في الصف يعتمد إلى حد كبير
على الفراسة عند المربين والقادة، والفراسة من شأنها أن تصيب أو تخطئ،
والقاعدة
التي نتبعها: أن نفتح بابنا لكل طارق أمين مهما قل خيره، طالما جاءنا طامعا
في أن يقف في صف صلاتنا خلف إمامنا.








نحاسب بالحسني
ولا نفضح




والحقيقة أن
أكثر أخطاء الأعضاء محاسبون عليها، وتشهد
على ذلك قصص فيها مفخرة للقيادات في حرصها على الحسبة ونقاء الصف، وتقويم
الإعوجاج، ولكنها لا تذيع ذلك أو تنشره، لأن في المقصرين الذين حوسبوا شعبا
وأنواعا من الخير لا يراد لها أن تضمحل أ, تموت بالتشهير، ولو أذاعت
القيادات
محاضر محاوراتها لأمثال هؤلاء المقصرين، معاتبة ومرشدة ومنبهة لهم، لوقعت
في الخطأ
الذي نعيبه هنا، ولكنه الستر على أهل الخير يستغله الناقدون بلا علم،
فيقدمون على
الجرح والقدح بجرأة، في موطن تهيبت فهي القيادات واستحسنت الهدوء في معالج
الأمر
الذي هيج الناقدين.








لا نرضى ببدعة



وفي الواقع أن
أكثر الانتقادات التي توجه يمكن ردها
بسهولة، ونستطيع أن نقنع المنتقد بوجهة نظرنا إذا كان سليم الطوية، صادرًا
عن حب
في الإصلاح ما استطاع.




وخذ مثلا في ذلك
ما يشاع عن الجماعة من أنها لا تحارب
البدع، مع أن كل ناظر إلى سيرة الإمام حسن البنا رحمه الله يدرك صفاء
عقيدته،
وبدعه عن البدع، ومحاربته لها، وكفاه بالأصول العشرين وثيقة يضعها بين يدي
ربه
تعالى يحاجج بها ويدلل على قيامه بواجبه السني الاتباعي إزاء الابتداع، وما
زالت
جماهير المنتسبين إلى دعوته تتدارس هذه الأصول وتشرحها، وتنشرها بين الناس.








السياسة كلها
ترجيح بين المصالح




ويتداول حديث عن
أخطاء سياسية ترتكبها القيادات، وما هي
بأخطاء في حقيقتها لمن أمعن النظر، لكنه تفضيل بين المصالح، واتباع لقاعدة
الفقهاء
في الحرص على أكبر المعروفين عند تعارضها، ولو بتفويت أدناهما، واحتمال
أيسر
العارضتين لإبعاد أعظمهما وأكبرهما.




ولقد أطال
الإمام ابن تيمية رحمه الله النفس في بيان هذه
القاعدة وتصويبها والأمر بالعمل بها، حتى أنه أفتى في هذا الباب بإفتاءات
يظنها من
لا يخبر السياسة غريبة معيبة.




وأغلب هذه
المواقف المنتقدة على الحركة مخرجة على هذه
القاعدة في الموازنة بين مراتب المعروف والمنكر ودرجات المصالح والمفاسد،
فما من
تعاون مع حزب معيب، أو تصريح بثناء على فعلة حسنة من حاكم لم يتم إسلامه،
أو ما
شابه ذلك، إلا وللقيادات فيها تأويل مستخرج وفق هذا الافتاء.




ولا ندعي أن كل
هذه التصرفات المعتمدة على هذه القاعدة
كانت صوابا دومًا في نتائجها، فإن ذلك ليس ركنا في توثيق المسلم، إنما هو
يجتهد في
باب السياسة كما في غيرها، فيصيب ويخطئ تبعا لمدى فراسته، وطويل تجربته،
إنما
الركن المهم هو أن هذا التأويل والاجتهاد يستند إلى أقوال معتمدة في مذاهب
أعيان
الفقهاء القدماء.




ومع ذلك فلا
يمكن للقيادات على طول الخط أن تكشف حوارها
حين تقرير مثل هذه الخطوات القائمة على الموازنة بين المصالح والمفاسد، ذلك
لأنها
قد تعتمد عل أسرار لا يسوغ كشفها، أو تسويغات مضمرة لا تريد أن يتسرب علمها
إلى
أعداء الإسلام، فيحورون خطتهم العدائية تبعًا لذلك.




وقد جري العرف
عندنا على الاستقلال في العمل، والدعوة
إلى زوال الأحزاب، ومقارعة الظالمين، ومضت هذه المعاني أصولا في التخطيط
السياسي،
وأفصح عنها كلها الإمام البنا رحمه الله في رسائله، ولا تكون موازناتنا بين
درجات
المصالح إلا على ضوء هذه القواعد.




فأنصف أيها
الناقد، ذلك خير، وكفاك هذا أيها الداعية، لا
تطلب الرد حرفا بحرف، فإنها متاهة والله متاهة الردود... وعوائق.




إن هذه
الانتقادات الجزافية هي من جهل الناقدين، وقلة
إنصافهم، ولولا أن البعض نم علماء الأمة قد ابتلي بمثل هذا الأذى المعنوي
على مر
العصور لظننا أنه عقوبة ربانية تحيط بنا، ولكن يبدو أن مثل هذه التشويشات
والفتن
سنة من سنن العمل الإسلامي، والعاصم منها أن ندعو بدعاء النبي -صلى الله
عليه
وسلم- فنقول: ( اللهم إنا نعوذ بك من أن نجهل أو يجهل علينا).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://araouahil.forumalgerie.net/forum.htm
عزالدين
المدير العام
المدير العام
عزالدين


ذكر
عدد الرسائل : 525
النقاط : 1006
التميز : 8
تاريخ التسجيل : 21/09/2008

مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Empty
مُساهمةموضوع: رد: مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله   مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله Emptyالجمعة 2 يوليو 2010 - 0:45

|
كتب الشيخ أحمد الراشد |

نهضة العاثر
.
عقل تصرعه الشهوة! - رسالتان -
كلانا عالم بالترهات - صلح ذوي الراحات - فتاوى الفقهاء في تنقية الصفوف -
غرور
الفقيه يمنع تأميره


بلغنا
أن زاهدًا كان كثير الوصية والنصح لأصحابه، يروي لهم كل يوم طرفا من تجاربه
في
الحياة وتأملاته في طبائع النفوس، فلما أنهى حديثه قال له مقدم أصحابه: لو
أوجزت
أيها الشيخ معناك في جملة تكون لنا شعارًا!



فقال
الشيخ: نعم، أفعل.



فقام،
وكتب على الجدار الذي يجلسون عنده، بخط كبير:



(لا
تمضوا في طريق اليأس، ففي الكون آمال، ولا تتجهوا نحو الظلمات، ففي الكون
شموس).






ثم انصرف.


فكانت الشعار.


حكمة تضع نفسها أمامنا مع انتهاء استعراضنا للأنوار
الثلاثين المختارة،
تشير إلى الاكتشاف الذي لا بد أن يصل إليه كل مشتغل بتربية النفوس ومعامل
لها.



حقيقة يراها الجميع.


أن بعض النفوس تستلذ اليأس، وتعشق الظلام، لكن الأمل
من حولها واسع، والنور
غامر.



ولذلك وجبت هذه الربتة الخفيفة على كتف المطرق
المطأطئ الملتف، تنبهه إلى
سكينة قريبة منه لو تناوش، وهالة جميلة فوقه لو رفع رأسه ونظر.



وهل أسطع من هالة شمس هذه الدعوة التي هو فيها، وأنصع
بياضًا، وأشد لألأة؟



بداية شجاعة ملأت الفراغ...


وجهاد يهود والإنكليز...


وشباب حفظته من الضياع...


وفكر إتباعي لم تدنسه بدعة أو فلسفة....


ومحن تجددت فيها سنن الثبات...


ونصر من بعد كل ذلك ينادي، ما كان يوما ما بعيدًا،
ولكن اشترط أن تمد له يد
العاملين وتسعى إليه صفوف المنتظمين.



فمن لم ير هذه الشموس: تركناه إلى ظلامة وإن كان
عفيفا طاهر الجوارح، حفظا
لسمعة الصف المستقيم السائر، واتباعا لوصية ذلك الشيخ الفاضل الذي حذر
الإمام
البنا، منذ أول أيام الدعوة، من (الصالح الذي لا يحترم النظام ولا يقدر
معنى
الطاعة، فإن هذا ينفع منفردًا، وينتج في العمل وحده، ولكنه يفسد نفوس
الجماعة:
يغريها بصلاحه، ويفرقها بخلافه).



قال (فإن استطعت أن تستفيد منه وهو بعيد عن الصفوف
فافعل، وإلا فسد الصف
واضطرب. والناس إذا رأوا واحدًا خارج الصف لا يقولون: خرج واحد، ولكن
يقولون: صف
أعوج.



فاحترس من هذا كل الاحتراس)([sup][1][/sup][1]).


فهذا إذا كان صالحا لا يحترم النظام، فكيف به إن كانت
تسيره الشهوات؟






عقل
تصرعه الشهوة!



الخطب أعظم حين ذاك، حيث تتعطل القلوب عن وعيها،
والعقول عن موازينها.



ولاخطار مثل هذه الحالة: لفت الفقيه الوزير العباسي
ابن هبيرة الدوري
أنظارنا، فقال: (احذروا مصارع العقول، عند التهاب الشهوات) ([sup][1][/sup]
[2]).


وسماه: مصرع العقل، للدلالة على أن مراده يتجاوز مجرد
مصرع البدن بالزنا
وأمثاله، وأنه يعني ما هنالك من حب رياسة، وهوى انتصار للنفس، تفقد العقول
معها
فطرتها التي تسوقها إلى تحري المصالح ودرء المفاسد.



وصريع الشهوة لا تنفع معه مجرد تلك الربتة التي
ربتناها على كتفا اليائس،
وإنما يحتاج إلى هذا، في لوم يوقظه من سنة النوم.



فمن يلق خيرًا: يحمد الناس أمره

ومن
يغو: لا يعدم على الغي لائما





أول قل: يحتاج إلى النصيحة الصريحة، والتي لصراحتها
يراها البعض غليظة.



وليست هذه الصراحة عند ذي اللب والإيمان مما ينكر
علينا، وهي عنده من
العدوان عليه، بل هي من تمام الحب له والشفقة عليه، فإن الشيطان يجري من
ابن آدم
مجرى الدم، وربما يتغلب شيطان على داعية في ظرف شبهة فيفقده اتزانه، فهو
بحاجة من
بعد إلى نصح وتذكير بالموازين.



ومن هنا كان خير الدعاة: أبذلهم للنصيحة، وأكثرهم
إذاعة بها.



ويقارنه في درجته: أحملهم لغلظة لنصيحة، وأعظمهم
قبولا لها.






رسالتان




ولقد كانت يوما ما قصة نصح، عبر رسالة، من صاحب خير
من هؤلاء الدعاة،
قابلتها قصة صحوة واعتذار، من جواد كانت له كبوة.



وفي القصص لأولى القلوب الحية مواعظ وعبر، وربما تنبه
مخطئ إذا روبت له،
فيكون له فيها بعض مزدجر.



وتبدأ القصة بهفوة من داعية، بعد دهر من الحب، يترك
معها الجماعة، ويخلع
البيعة وينشر قيل وقال، فيعاقبه أميره، ويعاتبه، ويذكره بتفاهة الدنيا،
ويكتب إليه
أن:



(بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم
الأنبياء والمرسلين:



أما بعد أيها الأخ هدانا الله وإياك.


فإنه مما أدركنا من كلام السلف الأول أن الله تعالى
إذا أراد بعبد من عباده
خيرًا: جعل فيه ثلاث خصال:



الفقه في الدين.


والزهادة في الدنيا.


والبصر بعيوبه.


وأود أن نتصارح اليوم ونتكاشف، لعل الله يجعل لك بعد
ذلك من أمرك رشدًا
ويسرًا، فترجع إلى سربك، وتحفظ ذخيرة أسلفتها من ضياع يهددها.



أدعوك إلى أن ترجع بذاكرتك إن استطعت إلى أول هذا
الخلاف الذي تدندن فيه،
وأن تخبر قلبك بصدق عما سترى.



سترى أن بداية ما تلح فيه كانت كلمة همس، وضعها واضع
في أذنك، فغلي بها
صدرك.



وما إخالك تستطيع نسبة شيء من الاجتهاد في أمور
الدعوة مما تخالفنا فيه إلى
نفسك قبل تلك الهمسة.



افترضي أن تسلب ذاتك استقلالها بهذه البساطة، ثم يضيق
صدرك إن ذكرناك
وعاتبناك؟



كلا أيها الأخ، كلا.


فمن أجل واش كاشح بنميمة


مشي بيننا صدقته لم تكب


وقطعت حبل الوصل منا، ومن يطع


بذي وده قول المحرش: يعتب


بل لا بد من هذا العتب، ولا نسلمك لشيطانك بسرعة.


وأخبرني:


بأي سنان تطعن القوم بعدما


نزعت سنانا من قناتك ماضيا؟


فأنت قد نزعت رابطة العمل الجماعي من
قناتك، وهي ليست
سنانا ماضيا فحسب، بل كل سلاحك الذي تصول به وتجول.



أفتخدع نفسك؟


وكيف ترى في عين صاحبك القذي.


ويخفي قذي عيني وهو عظيم؟


فتحاسبنا عن صغائر لا يخلو منها مجتهد،
ولو شئنا أن
نذكرك بنقص بعد نقص بدر منك لأسكتناك!



ولكنا لسنا بحاجة إلى أن نروي سوابق برودك.


وإنما نقول: أني اعتراك لما خالفتنا هذا الدأب
الواضح؟



هلا تناهيت وكنت امرءًا


يزجرك المرشد والناصح!


أو لا ترى ما أنت فيه من الافتتان: إنقاصًا لعدد
العاملين، وتوهية لركن كل
داعية، وفتا في عضده، وإشماتًا لعدوه؟ فاتئد، وتدبر أمرك.



وإني ذكرك بالله تعالى، فارجع إليه، وخل الهوى.


وثق أن الدنيا بعد الدعوة لا تكاد تعدل جناح بعوضة
عند اللبيب الذي ذاق لذة
التعب والبذل لها.



أفترى في دنياك النعيم، وتنسى أنه عديم!


أم تحسبها الغناء، وهي عن قريب إلى فناء


أم تظنها سلم الارتفاع، كأنك تجهل ما فيها من قصص
الإتضاع!



أم فيها يوم يوثق له بغد!


لا والله.


وإنما نحن وإياك لكما قال الشاعر:

*كلانا عالم
بالترهات*





فإنك تعلم رخص ثمن ما أنت مقدم عليه، وأنه ترهات،
ولكن الانتصار للنفس
يوهمك.



والأمر أهون مما تظن، ومن غشك فأقعدك في بيتك قد ظهر
لك تدليسه، فتب: تجد
باب الدعوة مفتوحًا، وكل أرضها مدارج، لمن أراد المعارج.



فاستعذ بالله أيها الأخ من الفتن، واطلب نصيحة
الخبراء، ونق نيتك مما علق
بها من شوائب، واتق الله عند غضبك، وابعد نفسك عن تأويل يستدرج.



ليسعك التغافر، وسارر في نصيحة القادة.


وأحرص على نجاة نفسك، والتفت إلى عيبك، وانظر صواب
الدعاة إن نبهك أحد إلى
أخطائهم، وعلق تضحيتك على أمر قادتك.



وأمسك على الجدل، والنجوى، والغدر، وصن أذنك عن
استماع الغمز.



واتعظ بالتاريخ، وباستكبار الشرع لتعرب المهاجر.


وبالغ في الصدق، ولا تحتجن بزلات السلف، واعلم بأن
الله لا يصلح عمل
المفسدين، وأن الجندية هي طريق القيادة.



واحذر طبائع آخر الزمان، وخف تنكر
الأرض والمؤمنين للخوالف.



وإلا.. هجرناك.


وأنت، أنت البادئ.


ولا تجزعن من سنة أنت سرتها


فأول راض سنة من يسيرها


ولعلك ستجرب العمل مع من سبقك بالخروج، فلا تجد ثم
إلا غليظًا، أو متهورًا،
ومبتدعًا.



كلام خبير ناصح أمين أقول لك:


لست أرى واجدًا بنا عوضا


فاطلب وجرب واستقص واجتهد


ولقد كان يكفيك ما أنت فيه من سير في الطريق السهل
المشرق، لكنك حملت نفسك
مركبا من العبء باهظًا، وسقتها لشغب أنت في غنى عنه أبدًا.



وإنها كلمة نصح أخيرة أقولها لك:


السهل أهون مسلكا


فدع الطريق الأوعرا


واحفظ لسانك تسترح


فلقد كفى ما قد جرى


ولقد نصحتك واجتهد


ت، وأنت بعد تخيرًا).


فلما قرأ المخطئ رسالة أميره هذه، وتدبر ما فيها:
استيقظت فطرته، ورجع إلى
طرف لسانه طعم حليب طاهر رضعه، فأمسك بقلمه يكتب أن:



(بسم
الله الرحمن الرحيم



قد بلغتني الرسالة، فما وجدت فيها إلا حقًا.


ولا أدري ما أقول أيها القائد المطاع، فإني قد أدركت
هفوتي منذ أيام ولكن
الحياء منعني أن أتوجه إليكم باعتذار.



ولقد أصبحت فجأة لأجد نفسي وحيدًا أتلفت، فإذا مظاهر
الجاهلية من حولي
ترهبني بعد إذ كنت عزيزًا بانتسابي إلى هذه الدعوة المباركة، شجاعًا
مستصغرًا لكل
جبار عنيد.



فإن إخوتي حولي، وإذ أنا شامخ، بصافية الأفكار،
والنفس في شمم: أتاني الوشي
بعد الوشي، فصدقتهم فكانت تلك العثرة مني.



تكنفني الوشاة فأزعجوني


فيا لله للواشي المطاع


فأصبحت الغداة ألوم نفسي


على شيء وليس بمستطاع


كمغبون يعض على يديه


تبين غبنه بعد البياع


وكيف أصف لك شعوري يومها وقد صرت كما صار كعب بن مالك
رضي الله عنه حين
تخلف فقال:



(إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فطفت فيهم:
أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه النفاق)([sup][1][/sup]
[3]).


فما من خارج عن الجماعة من قبل، كنت أعلم ضعفه يوم
كانت قدمي ثابتة، إلا
وأصبح يحتفل بي إذا رآني، ويهش بوجهي، ويبتسم ابتسامة تلذع قلبي.



وإنه لدرس لي، كان، وعفا الله عما سلف، وأحمد الله
تعالى على ما هداني إليه
أولا، حين كنت ناشئا في هذه الدعوة، وأخيرًا حين زلت قدمي بالأمس فبصرني
عيبي ويسر
لي التوبة اليوم، ثم أحمده لما كان بين ذلك من حفظ وتربية وتأديب.



أيها القائد المطاع:


أملي أن تقبلوا عذري، مؤكدًا أني الآن قد:


صحا قلبي، وعاد إلي عقلي


وأقصر باطلي، ونسيت جهلي


راجيا نسيان ما حدث، إذ لعلها كبوة جواد، والسلام
عليكم ورحمة الله).



تل كقصة عتاب واعتذار.


وهل لهذا القائد غير أن يقبل عذر المعتذر بعد إذ بلغه
قول النبي -صلى الله
عليه وسلم- أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم! ([sup][1][/sup]
[4])


صلح ذوي الراحات


لكن الذي يرفض النصيحة: يبقى صريع شهوته، فيفضحه
عيبه، فتشير إليه الأصابع،
فيفتش عن مثيل، فتتكون جمهرة ناشزة، تبدو من خارج كأنها متآلفة، وعوامل
التناقض
تتصارع داخلها.



وهذا هو صلح الافتضاح الذي اكتشفه الفضيل بن عياض لما
وصف أنفارًأ من
الأضداد تحالفوا فقال:



(افتضحوا فاصطلحوا)


فلكل منهم عيوب، فهم مصطلحون على ترك التناصح بينهم،
متفقون على تدليس
عيوبهم وتغطيتها بلبوس الصفة الجماعية.



وهذه الظاهرة تكشف لمن يعرفها خلفيات كثير من الفتن
التي الهت الدعوة،
وتبين أصولها انطلاقها وتطورها.



وغالبا ما يكون فقدان القدرة على العمل التجميعي
والتربوي هو العيب المشترك
المؤدي إلى ظاهرة صلح الافتضاح هذه، فإن الضعيف يهوي أن ترتفع منزلته في
الدعوة
بتناسب طردي مع قدم انتسابه وارتفاع منزلته الوظيفية أو الدراسية أو
الاجتماعية،
وللدعوة أنظمة وأعراف وشروط تمنع تولية من لا يبرع في أعمالها وتنفيذ
خططها، أو من
يتواري ويؤثر الراحة أيام التضحية، فتصطدم رغبة الضعيف بالأسباب التي تحول
دون
تحقيقها، فيكون الافتتان عند ضعف التقوى.



وخطاب الشاعر القديم لبعض المفتتنين يبعثه استشعاره
لهذه الحقيقة لما يقول
لهم:



فانتهوا إن للشدائد أهلا


وذروا ما تزين الأهواء


فهو يطلب منهم الانتهاء عن الغين ويدعوهم إلى الافصاح
عما ستروه من دافع حب
الراحة وتجنب المشقة.



وهو نفسه الدافع الذي حكام القرآن عن المخلفين في
سورة التوبة إذ يقول الله
تعالى: (
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ
خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَن يُّجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَالُوا لاَ تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ
قُلْ
نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ
).


(إن هؤلاء لهم نموذج لضعف الهمة، وطرواة الإرادة
وكثيرون هم الذين يشفقون
من المتابع، وينفرون من الجهد، ويؤثرون الراحة الرخيصة على الكدح الكريم،
ويفضلون
السلام الذليلة على الخطر العزيز. وهم يتساقطون إعياء خلف الصفوف الجادة
الزاحفة
العارفة بتكاليف الدعوات، ولكن هذه الصفوف تظل في طريقها المملوء بالعقبات،
والأشواك، لأنها تدرك بفطرتها أن كفاح العقبات والأشواك فطرة في الإنسان،
وأنه ألذ
وأجمل من القعود والتخلف والراحة البليدة التي لا تليق بالرجال)([sup][1][/sup]
[5]).


(هؤلاء الذين آثروا الراحة على الجهد –في ساعة
العسرة- وتخلفوا عن الركب في
أول مرة. هؤلاء لا يصلحون لكفاح، ولا يرجون لجهاد، ولا يجوز أن يؤخذوا
بالسماحة
والتغاضي، ولا أن يتاح لهم شرف الجهاد الديني بعدما تخلوا عنه راضين:



(فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ
إِلَى طَائِفَةٍ
مِّنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ
أَبَدًا
وَلَن تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ
أَوَّلَ
مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ
).


(إن الدعوات في حاجة إلى طبائع صلبة مستقيمة ثابتة
مصممة تصمد في الكفاح
الطويل الشاق. والصف الذي يتخلله الضعاف المسترخون لا يصمد، لأنهم يخذلونه
في ساعة
لاشدة فيشيعون فيه الخذلان والضعف والاضطراب. فالذين يضعفون ويتخلفون يجب
نبذهم
بعيدًا عن الصف وقاية له من التخلخل والهزيمة. والتسامح مع الذين يتخلفون
عن الصف
في ساعة الشدة، ثم يعودون إليه في ساعة الرخاء: جناية على الصف كله، وعلى
الدعوة
التي يكافح في سبيلها كفاحه المرير.



(فقل: لَّن تَخْرُجُوا مَعِيَ
أَبَدًا وَلَن تُقَاتِلُوا
مَعِيَ عَدُوًّا
).


لماذا؟


(إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ
بِالْقُعُودِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ
).


ففقدتم حقكم في شرف الخروج، وشرف الانتظام في
الكتبية، والجهاد عبء لا ينهض
به إلا من هم له أهل، فلا سماحة في هذا ولا مجاملة.



(فَاقْعُدُوا مَعَ
الْخَالِفِينَ
).


المتجانسين معكم في التخلف والقعود.


هذا هو الطيرق الذي رسمه الله تعالى لنبيه الكريم،
وإنه لطريق هذه الدعوة
ورجالها أبدًا)([sup][1][/sup]
[6]).





فتاوى
الفقهاء في تنقية الصفوف



وهو الطريق الذي فهمه أعيان فقهاء الإسلام منذ صدر
الإسلام وعلى تعاقب
القرون فأرشدوا قادة المسلمين إلى تطهير الصف من المخذل والمثبط والمرجف،
والتشدد
في انتقاء الجنود.



فمثال كلام السلف الأول في ذلك: استعراض الإمام
الشافعي في كتاب الأم
لحوادث تخلف المنافقين المتتالية عن المشاركة في الغزوات النبوية الكريمة،
وتنبيهه
إلى أن من يشتهر في أجيال المسلمين بعد ذلك بمثل ما وصف به أولئك المنافقون
فإن
أمره يقاس عليهم ويعاقب بمثل ما عوقبوا به.



يقول الشافعي:


(غزا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فغزا معه من
يعرف نفاقه، فانخزل يوم
أحد عنه بثلثمائة، ثم شهدوا معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله عز وجل من
قولهم:
ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، ثم غزا النبي -صلى الله عليه وسلم- بني
المصطلق
فشهدها معه عدد، فتكلموا بما حكى الله من قولهم: لئن رجعنا إلى المدينة
ليخرجن
الأعز منها الأذل.



وغير ذلك مما حكي الله عز وجل من نفاقهم، ثم غزا غزوة
تبوك فشهدها معه قوم
منهم نفروا ليلة العقبة ليقتلوه، فوقاه الله عز وجل شرهم وتخلف آخرون منهم
فيمن
بحضرته، ثم أنزل الله عز وجل في غزوة تبوك أو منصرفه عنها –ولم يكن في تبوك
قتال-
من أخبارهم فقال: ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن كره الله انبعاثهم
فثبطهم
وقيل اقعدوا مع القاعدين.



قال الشافعي: فأظهر الله عز وجل لرسوله -صلى الله
عليه وسلم- أسرارهم خبر
السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم،
فأخبره
أنه كره انبعاثهم فثبطهم، إذ كانوا على هذه النية، وكان فيهم ما دل على أن
الله عز
وجل أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزو مع المسلمين، لأنه ضرر
عليهم.



قال الشافعي:


فمن شهر بمثل ما وصف الله تعالى المنافقين: لم يحل
للأمام أن يدعه يغزو
معه، لطلبه فتنتهم وتخذيله إياهم وأن يهم من يستمع له بالغفلة والقرابة
والصداقة،
وأن هذا قد يكون أضر عليهم من كثير من عدوهم)([sup][1][/sup]
[7]).


واستمر الفقه على هذا حتى استلم رايته ابن قدامة
المقدسي فقال:



(ولا يستصحب الأمير معه مخذلا، وهو الذي يثبط الناس
عن الغزو ويزهدهم في
الخروج إليه والقتال والمشقة، مثل أن يقول: الحر أو البرد شديد، والمشقة
شديدة ولا
تؤمن هزيمة هذا الجيش، وأشباه هذا.



ولا مرجفا، وهو الذي يقول: قد هلكت سرية المسلمين وما
لهم مدد، ولا طاقة
لهم بالكفار، والكفار لهم قوة ومدد وصبر ولا يثبت لهم أحد، ونحو هذا.



ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار وإطلاعهم
على عورات المسلمين
ومكاتبتهم بأخبارهم ودلالتهم على عوارتهم أو إيواء جواسيسهم.



ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ويسعى بالفساد،
لقوله تعالى: (
وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ
فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ
الْقَاعِدِينَ* لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً
ولأوْضَعُوا
خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ
).
ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين فيلزمه منعهم)([sup][1][/sup]
[8]).


وهذا من الكلام الحق الذي لا يستغربه المعالج لسياسة
الجماعات.






غرور
الفقيه يمنع تأميره



وأما من يستغرب مثل هذا الكلام، ويستصعب قياس أحوال
مفتتنة اليوم على أحوال
المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإننا على
استعداد لكي نسير
معه مرحلة فقهية أخرى لا خلاف فيها.



فلو تجاوزنا وصية الذي حذر الإمام البنا من الرجل
الصالح الذي لا يحترم
النظام، مما ذكرناه آنفا، ونصحه له بإبعاده عن الصف، فإننا نجد في فقه عمر
بن عبد
العزيز رحمه الله ما يسوغ إبعاد الصادق صاحب الخير عن المسؤولية إذا كان
فيه نوع
من حب الظهور والخيلاء، سدًا للذريعة، وصيانة له من احتمالات الافتتان
والجناية
على نفسه وعلى الدعوة.



فقد روى أن الراشد الخامس لما ولي الخلافة أرسل إلى
أبي عبيد المذحجي، وكان
فقيها ثقة في الحديث، من شيوخ الأوزاعي ومالك، وممن يستعين بهم الخليفة
سليمان بن
عبد الملك، فقال له عمر:



(هذه الطريق إلى فلسطين، وأنت من أهلها، فالحق بها.


فقيل له: يا أمير المؤمنين، لو رأيت أبا عبيد،
وتشميره للخير!!



فقال: ذاك أحق أن نفتنه، كانت فيه أبهة للعامة)([sup][1][/sup][9]).


فهي كلمة قالها عمر، وسوغها فعل عمر.


ولقادة الدعوة هذا اليوم أن يقولوا لكل داعية يتطلع
للسمعة والجاه والمكانة
الاجتماعية المرموقة مثل الذي قاله عمر لأبي عبيد، ويفهموه أن:



قد أخطأت بداية الطريق إلى مرادك، فمررت بديار دعوة
التواضع والبذل
والالتزام الخططي، وهذه الطريق إلى ديار أشكالك، فالحق بهم.







([1][1]) مذكرات الدعوة
والداعية/88.



([1][2]) ذيل طبقات
الحنابلة
1/275.



([1][3]) صحيح البخاري
6/5.



([1][4]) صحيح الجامع
الصغير
للألباني 1/382.



([1][5]) في ظلال
القرآن
10/264.



([1][6]) في ظلال
القرآن 10/265.



([1][7]) الأم للشافعي
4/89.



([1][8]) المغني لابن
قدامة
8/315.



([1][9]) تهذيب التهذيب
112/158.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://araouahil.forumalgerie.net/forum.htm
 
مختارات من مقالات الشيخ الراشد حفظه الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عين تموشنت تحيي ذكرى وفاة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله 29/06/2009 الحادي
» كلمة الشيخ مصطفى بلمهدي في افتتاح ملتقى الشيخ محفوظ نحناح الدولي
» الشيخ الرئيس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
تفتح الأفق أمام عمل إسلامي أصيل، متكامل .  :: منتدى الفكر الإسلامي :: قسم الفكر الأصيل-
انتقل الى: