للأستاذ العربي زرمان..رئيس مجلس الشورى الولائي قسنطينة
مضت أيام عايشت فيها من يشدني الشوق دائماً إلى اللقاء بهم ويجذبني إليهم عاطفة الحب في الله ، تناقشنا واستمعنا وتحاورنا بفاعلية قلّ أن توجد في غير هذه اللقاءات وبصراحة القصد منها الوصول إلى أقوّم الطرق وأيسر السبل لتحقيق الهدف - وهدفنا مرضاة الله ليكون وحده سبحانه وتعالى غايتنا - فاللهم خذ بنواصينا في طريق الحق وثبتنا عليه حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا .
وهذه بعض لمحات أوحت لي بها هذه السويعات أو اقتبست بعضا منها بتصرف أرجو من كاتبيها المغفرة ولعم الأجر وإن كان ليس فيها جديد فحسبي أنها من قبيل التذكرة " وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين " .
1- التربيـــة :
قد يختلف الناس قليلاً أو كثيراً حول تحديد مفهوم هذا المصطلح وقد يتفقوا ، إلا أنه لا يصلح العمل في جماعة ولا يعطى مردوده الحق إلا إذا كان الاتفاق عليه كاملاً وخاصة فيما نعتبره ثابتاً من أهم ثوابت الجماعة وهى التربية كمصطلح ومفهوم على السواء .
والتربية في أبسط معانيها هي تنمية الشيء تدريجياً حتى يبلغ درجة كماله . ويمكن اختصارها في كلمة واحدة فيكون معنى التربية التنمية . وما دامت التربية هنا تنحصر في التربية الإسلامية ، والإسلام في مفهومنا شامل يتناول مظاهر الحياة كلها فالتربية عليه لابد أن تكون شاملة شمول الإسلام الذي يتناول أمور الدنيا والآخرة .
ومحاور التربية الإسلامية كثيرة ومتعددة نظراً لشمول الإسلام فيمكن أن نطلق التربية الإيمانية على تنمية الإيمان لدى الفرد أو الأفراد ، ونطلق التربية العبادية على تنمية أداء العبادات وإحسانها الفرضية منها والتطوعية ، والتربية الدعوية والتربية الحركية– والتربية البدنية – والتربية الاجتماعية – والتربية السياسية … وهكذا .
ويمكن أن نقيس مدى النجاح في تحقيق الهدف من التربية بقياس مدى النمو الذي طرأ على الفرد في كل محور من محاور التربية ، على فترات متقاربة أو متباعدة وفقاً لما يتفق عليه . ونقيس مدى النمو بمظاهره . فمثلاً في التربية الإيمانية في مرحلة من المراحل يشترط في الفرد أن يؤمن بقضاء الله وقدره فيما يقع له في حياته خيره وشره ثم يصل إلى التسليم المطلق لقضاء الله وقدره بمنتهى الرضى وليوقن أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له ، وأن الأمة لو اجتمعت على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه . ونحن على يقينٍ أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ويمكن الرجوع إلى الأعمال التي تزيد الإيمان في مظانها .
والتربية العبادية تعمل على الترقي في مدارك الكمال في تأديتها فمثلاً الصلاة تتدرج من مداومة أدائها في أوقاتها في جماعة ، ومحاولة أن تكون الجماعة في المسجد والحرص على الجماعة الأولى أي أول الوقت ، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أي الأعمال أفضل فقال : الصلاة لوقتها . ثم يجتهد في تحقيق معنى أن الصلاة صلة روحية بين العبد وربه ، وأن ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل حتى يصل إلى الدرجة التي يكون فيها ممن يعبد الله كأنه يراه ( اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) .
وهكذا في كل محور من محاور التربية نجد له بداية وله نهاية ، ومع أن البداية ميسورة للجميع ولكن بلوغ الكمال متوقف على استعداد الأشخاص وكل ميسر لما خلق له ولكلٍ طاقته والحد الذي يقف عنده ويجب اعتبار ذلك خلال مسيرتنا التربوية .
- ولابد من تهيئة الوسط المناسب للتربية ، والمحضن الأساسي للتربية والتكوين هي الأسرة .
2- الأســـرة :
معناها الدرع الحصينة - وأهل الرجل وعشيرته وهو يتقوى بهم . ويجب أن تظل حصينة بعيدة عن العبث أو الفرقة لتؤدى رسالتها . ويقول الإمام " يحرص الإسلام على تكوين أسـر من أهله يوجههم إلى المثل العليا ويقوى روابطهم ويرفع أخوتهم من مستوى الكلام والنظريات إلى مستوى الأفعال والعمليات ، فاحرص يا أخى على أن تكون لبنة فى هذا البناء " .
والأسـرة : ثابت من ثوابت الجماعة . وهى وحدة بناء الجماعة . فإذا قويت وحدة البناء قويت الجماعة ، وتقوى الأسرة بإقامة أركانها الثلاثة ( التعارف - التفاهم - التكافل ) . ولا يمكن أن تتحقق هذه الأركان إلا إذا حدث تعايش بين المربي وأفراد أسرته وبين الأفراد بعضهم وبعض ، وكلما زادت المعايشة أمكن أن يزيد الترابط والتلاحم بين أفراد الأسرة ومعهم مربيهم وتزداد فرص تحقق أركانها .
3- فالمعايشــة : إذن هى أهم العوامل التى لا تكتمل التربية إلا بها ، ويمكن معرفة ذلك بسهولة إذا حددنا الوظائف التى تقوم بها التربية ألا وهى :-
أ- تثبيت وتأصيل وتعميق صفات موجودة لدى الفرد– أوالأفراد - وتتفق مع منهج الإسلام ، والعمل على تنميتها وتوظيفها لصالح الدعوة والجماعة .
ب- التخلص من صفات موجودة فى الفرد - أو الأفراد - لا تتفق مع منهج الإسلام .
ج- اكتساب صفات جديدة لا تتوافر لدى الفرد ويتطلبها منهج الإسلام والعمل له .
وكل الوظائف الثلاث التى تقوم بها التربية لا يمكن أن تتم إلا بالمعايشة فبها نحدد ما لدى الفرد من صفات حسنـة فنثبتها وننميها ، وما لديه من صفات سيئـة فنخلصه منها ، وما يحتاجه من صفات جديدة فنعمل على اكتسابه لها . وبدون المعايشة تصبح التربية عاجزة عن بلوغ كمالها وقد لا ينبىء مظهرها عن حقيقة مخبرها ، ونضيف إلا ما سبق ما يمكن أن تحققه المعايشـة من صفات وفوائد نحن فى أشد الحاجة إليها وهى :
• تعميق التعارف وهو المدخل الواسع لعاطفة الحب والأخوة حيث تتاح الفرصة لفتح كل نوافذ الحب فى الله .
• تعميق أواصر الأخوة وتحقيق الركن التاسع من أركان البيعة .
• إيجاد مساحة كبيرة من الفكر المشترك إن لم يكن توحيده وتطابقه .
• اكتساب القدرة على حفظ الود بتجنب ما لا ‘يرضى أو ‘يسىء إلى الآخرين .
• تعميق الثقة بين القيادة والجند وكذلك بين الجند والقيادة تحقيقاً للركن العاشر من أركان البيعة .
• إزالة الرهبة أو الإحجام عن إبداء الرأى فى أمر من الأمور الذى يؤدى أحيانا إلى السلبية ولا تصح معها شورى .
• وكل ما سبق عوامل تؤدى إلى الولاء وتقويته .