حرار العالم في الخرطوم...
لم يكن قرار المحكمة الجنائية التي أصدرته الأربعاء الماضي بحق الرئيس البشير مفاجئا للذين يتابعون حركة الاستعمار الجديد المتسترة بالمنظمات العالمية والمؤسسات الدولية و المستهدفة للدول الإفريقية و الآسيوية والتي يقع منها العالم العربي الإسلامي في القلب.
وحركات ومنظمات ودول التحرر العربية الإسلامية التي نازلت القوى الاستعمارية الحديثة في مختلف المواقع والنوازل؛ تدرك أكثر من غيرها اتجاه وأهداف المؤسسات المشبوهة، وهي تمثل طليعة الأمة وقلبها النابض وخط دفاعها الأول في هذه المرحلة التاريخية التي تشهد تطورا جديدا في الظاهرة الاستعمارية الغربية في تجلياتها المعاصرة.
والخرطوم من أكثر عواصم العروبة والإسلام آلت على نفسها مواجهة المشروع الغربي المعاصر حفظا لثوابت الأمة وردا لمؤامرات الغرب وأعوانه الذين يتسربلون بشتى المظاهر؛ تدفع في سبيل ذلك ضريبة المجاهدة والمدافعة من عرق ودماء بنيها راضية دون منّ ولا أذي لأمتها التي تتشرف بالانتماء إليها.
لذلك لم يكن مستغربا أن تتوالى زيارات أحرار العالم والقيادات المناهضة للمشروع الاستعماري الغربي الحديث إلى عاصمة الصمود والتصدي؛ ليس لأن الخرطوم لم تبخل بالوقوف معهم في كل قضاياهم العادلة فحسب؛ بل لأنهم أدركوا بحسهم الذكي وتجربتهم الطويلة أن الخرطوم تمثل رأس الرمح في مواجهة المشاريع الاستلابية المعاصرة التي تقودها ثلة ممن لا يجيدون المواجهة الشريفة ويعوزهم المنطق السليم والإجراءات العادلة.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة وفد القيادات الإسلامية العالمية للخرطوم الجمعة الماضية السادس من مارس 2009م بعد يومين فقط من قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس البشير، ويمثل الوفد أكثر من عشرين منظمة وبرلمانا وحزبا إسلاميا، ويضم أكثر من (52) من القيادات و الشخصيات البارزة في العالم الإسلامي، فمن إيران تقدم الوفد ورأسه رئيس مجلس الشورى الإيراني، ومن فلسطين ضم الوفد الأستاذ موسى أبومرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رمضان شلح، والأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد جبريل. ومن لبنان جاء السيد إبراهيم السيد رئيس المكتب السياسي لحزب الله، وغيرهم من القيادات الشعبية الإسلامية.
والقيادات الشعبية الإسلامية كانت تجتمع في طهران في مؤتمر لدعم غزة؛ ولأن تفعيل روح المقاومة كان حاديهم، والوعي بقضايا الأمة ومستقبلها كان قائدهم، فقد وجدوا أن دعم الخرطوم ضد قوى البغي و العدوان لا يبعد كثيرا عن أهداف مؤتمرهم لدعم غزة الصمود؛ فاستقل ممثلون لهم طائرة خاصة وطاروا إلى الخرطوم ليثبتوا للعالم أن قوى الأمة الحية ليست غافلة عن مآلات المؤامرات الغربية، وهي جاهزة للتصدي ورد العدوان.
الوعد الذي أطلقه رئيس الجمهورية ارتجالا في مسيرة الخميس الخامس من مارس 2009م الضخمة بأن السودان سيقود حركة التحرر العالمية ضد قوى الاستعمار الجديد؛ بدأت بشائر صدقه تلوح على أرض الواقع والحقيقة، ولم تتأخر القوى الشعبية الإسلامية، كما لم تتوان القوى الداخلية في إرسال رسالة واضحة مفادها أن الحزم واجب المرحلة تجاه من يريدون أن يعبثوا بمستقبلنا وينهبوا مقدراتنا... وبهذا نفهم تعبير الرئيس (شJكرا أوكامبو)... وهي تُقرأ وتُفهم (جزى الله المصائب عنا كل خير)... فقد كانت ترهاتـه وقرارة محكمته الجائرة عاملا مساعدا على تماسك الصفوف وتوحيد الجهود.