مازال مسلسل تهويد المدينة المقدسة مستمرا بتسارع لم يسبق له
مثيل، وما زالت حلقات تهويد المسجد الأقصى متتالية ومتلاحقة، ومازالت المؤسسة الصهيونية ماضية في إضفاء الصبغة اليهودية على محيط المسجد الأقصى والبلدة العتيقة، فلم تنته هذه المجزرة الحضارية والإنسانية ولن تنته بنظر الصهاينة إلا بالاستيلاء الكامل على المسجد الأقصى، وتحويل محيطه إلى واقع يهودي، ومن ثم بناء المعبد المزعوم، ولم يكن افتتاح كنيس الخراب على بعد عشرات الأمتار غرب المسجد الأقصى نهاية الطريق لدى الصهاينة، فما زال العمل مستمرا بمشاريع تهويدية عديدة كلها تجاور المسجد الأقصى، وكلها تصب في هدف تحويل هذا المسجد ومحيطه إلى الطابع اليهودي المزعوم.
فقد أعلنت المؤسسة الصهيونية مؤخرا عن افتتاح كنيس الخراب والذي كان همُّ إقامته الأكبر هو تهويد المدينة وإضفاء صبغة يهودية مقدسة عليها، وذلك على حساب المقدسات الإسلامية والمسيحية والوجود العربي في المدينة، وكخطوة متقدمة في التحضير لإقامة المعبد المزعوم مكان المسجد الأقصى وإن طالت الفترة الزمنية أو قصرت.
لقد شهد افتتاح هذا الكنيس الصهيوني الخطير جدا في الموضع والحجم والغايات صمتا رسميا منقطع النظير، وحراكا شعبيا وإسلاميا خجلا على استحياء، وقد سبق افتتاح هذا الكنيس رفض ومقاومة مقدسية كانت هي الوحيدة في المنطقة ولم تنته جولاتها وتبعاتها إلى الآن في مدينة القدس وضواحيها ، وكأن المدينة المقدسة باتت لا تعني أحدا إلا أهل بيت المقدس وبعض شرفاء الأمة، وكأن الأنظمة العربية الرسمية والشعبية بِصمتها قد تنازلت عن قبلتها الأولى، وأعطتها لقمة صائغة للصهاينة!.... مشاهدة المزيد
في ظل هذا الصمت والتخاذل العربي والرسمي فإن المؤسسة الصهيونية سوف تبدأ بتنفيذ خطوات أكثر خطورة في قضية المسجد الأقصى، وأكثر تقدما في التحضير لتقسيمه والسيطرة الكاملة عليه، من ثم تحويله لمعبد توراتي على غرار المسجد الإبراهيمي الذي خذلته الأمة الإسلامية والعربية من قبل.
فهاهي الجماعات الصهيونية المتطرفة بدأت تحضّر لتنفيذ أهم طقوس الهيكل داخل المسجد الأقصى، وذلك بعد أن قامت المؤسسة الصهيونية بتنفيذ اقتحامات متعددة للمسجد الأقصى بكل الظروف والأوقات، وأجرت تدريبات وتحضيرات مختلفة لدخول القوات الصهيونية داخل الأقصى والسيطرة على ساحاته الداخلية واقتطاع أجزاء منه حتى في أوقات الذروة مثل صلاة الجمعة، والتمركز فوق مصلياته وأبنيته وإغلاق جميع منافذ المسجد والبلدة، ونفذت ذلك فعلا خلال شهر مارس من العام الجاري، فقد بدأت الجماعات الصهيونية المتطرفة تعلن عن أوقات عديدة لاقتحام الأقصى وتتذرع بأي ذريعة لدخوله وتدنيسه بطقوسها التوراتية، وإن هذه الأعياد ستكون ذريعة كبيرة لتنفيذ التقسيم الجزئي على المسجد الأقصى والسماح للمتطرفين بتنفيذ طقوس المعبد داخل المسجد الأقصى، كلها خطوات استباقية لفرض التقسيم على المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود المغتصبين!.
أما عن المشروعات التهويدية التي تنفذها المؤسسة الصهيونية في محيط المسجد الأقصى، فكان على رأس القائمة بعد إعلان افتتاح كنيس الخراب، مشروع آخر تهويدي واسع له أبعاد دينية وفكرية خطيرة جدا على المدينة المقدسة ومسجدها.
فكان مشروع
متحف المعبد الثالث
مشروع تهويدي آخر ضمن سلسلة المشروعات الصهيونية المتسارعة جوار المسجد الأقصى، والذي تنوي المؤسسة الصهيونية افتتاحه خلال الأشهر القليلة القادمة.
يقع هذا المتحف في أقصى غرب ساحة البراق ، قبالة المسجد الأقصى المبارك من الجهة الغربية ، على بعد عشرات الأمتار من المسجد الأقصى المبارك، داخل مبنى مملوكي قديم بني بين حارتي المغاربة والشرف داخل البلدة العتيقة، استولت عليه المؤسسة الصهيونية بعد أن قامت بهدم حارة الشرف خلال عام 1968، وقد أنشأت المؤسسة الصهيونية داخل هذا المبنى المملوكي مركز توراتي عرف بمعهد إيش هاتوراة ( نار التوراة ) والذي تأسس عام 1974 على يد الحاخام نوح واينبرغ، ويُعنى هذا المعهد بنشر الثقافة العبرية المزورة، وتغيير تاريخ القدس واستقطاب سواح العالم للتعاطف مع الصهاينة، وقد أقام هذا المعهد 26 فرع في العالم واستطاع أن يستقطب أعدادا هائلة من الأجانب ويجند مجموعات من المؤيدين لإقامة المعبد.
قام مركز نار التوراة خلال السنوات الماضية بجمع تبرعات من يهود العالم ودعاة الفكر الصهيوني لإقامة متحف يكون الأكبر من نوعه في المنطقة والأضخم والأقرب من المسجد الأقصى، فقاموا بوضع تصور لبناء متحف سمي بمتحف الهيكل الثالث لقربه من هضبة بيت المقدس ( جبل الهيكل كما يدعون ) وللرسالة التي سيؤديها هذا المتحف ولقرب موعد بناء الهيكل الثالث كما يزعمون!، فكانت تكلفة هذا المشروع التهويدي تزيد عن 20 مليون دولار تبرع بأغلبها الممثل الأمريكي كيرك دوجلاس وابنه الممثل مايكل دوجلاس لصالح المعهد.
فباشرت المؤسسة الصهيونية ببناء هذا المتحف الصهيوني الضخم داخل المبنى الإسلامي المطل على المسجد الأقصى خلال تسعينيات القرن الماضي حتى انتهت من بناء هذا المتحف مع نهاية عام 2009، حتى أصبح هذا المتحف قاب قوسين من الافتتاح خلال الأيام القادمة!.
يتكون هذا المتحف الضخم من سبعة طبقات اثنتين فوق الأرض بالإضافة إلى سقف المبنى، وخمس طبقات داخل الصخر أسفل مستوى الساحة العلوية من حارة الشرف، وتبلغ المساحة الكلية لهذا المتحف ( متحف الهيكل الثالث ) أربعة دونمات ونصف 4,565 m2، ويوجد داخل قاعاته المتعددة والمتفرقة ما يقارب الـ 800 مقعد وتطل 40 % من واجهة المتحف على حائط وساحة البراق، ويضم هذا المتحف في داخله عددا كبيرا جدا من الغرف والقاعات وصالات الطعام والاحتفالات والعرض السينمائي، وقاعات المؤتمرات والتعليم ومعارض تتركز في بث مفاهيم بناء الهيكل المزعوم ، وعرضا تاريخيا عبريا موهوما وباطلا في مدينة القدس.
قاعات ومستويات المتحف الصهيوني ( متحف المعبد الثالث )
المستوى العلوي سقف المتحف.!
تبلغ مساحة سقف المتحف ما يزيد عن نصف دونم 510 متر مربع، ويطل مباشرة على حائط البراق والمسجد الأقصى بواجهته الأطول، وقد أقيم فوق سقف هذا المتحف عدة حفلات زواج وبلوغ للصهاينة، وكانت قبة الصخرة داخل المسجد الأقصى هي خلفية منصة حفل الزواج، في خطوة ترويجية واضحة لتهويد المسجد الأقصى، وقد جهز السقف لجعله كنيسا يهوديا أو منصة احتفال أو صالة زفاف حسب الحاجة، و يكون المسجد الأقصى المشهد الواضح فيها.
ومن أبرز ما وضع في سقف المتحف هو ذلك المجسم الإلكتروني المتنقل والأكبر للهيكل، وضع هذا المجسم في شهر 8-2009 في وسط سقف المتحف، ويعد هذا المجسم الأخطر على الإطلاق بين مجسمات المعبد كلها كونه لا يبعد سوى أمتار قليلة عن المسجد الأقصى.! ويتم توضيح المزاعم التوراتية وطقوس المعبد وشرحها على هذا المجسم تفصيلا وخاصة أن هضبة بيت المقدس ( جبل المعبد كما يزعمون ) تقع خلفه مباشرة.!
كما تسعى المؤسسة الصهيونية من خلال هذا المتحف لتهويد المشهد البصري ليس لمدينة القدس فحسب إنما يتعداها إلى ما بعد المدينة المقدسة وحتى ما بعد فلسطين!!، فقد قامت المؤسسة الصهيونية بتزويد سقف المتحف بتلسكوبين متطورين جدا بلغت تكلفتهما 54 ألف دولار، وتهدف المؤسسة الصهيونية من خلال هذين التلسكوبين وضع السائح والزائر للمتحف في مشهد بانورامي انطلاقا من حائط البراق مرورا بالجامعة العبرية المقامة فوق جبل المشهد ومرورا بجبل الزيتون وصحراء الضفة وحتى البحر الميت وجبال مؤاب في الأردن.!
وبجانب المسجد الأقصى قد أقام الصهاينة موائدا للسكر والنجاسة، فهاهم فوق سقف هذا المتحف يقيمون موائدا للاحتفالات ولتناول المنكرات، ولوضعها أمام المسجد وجعل خلفية هذه المائدة المسجد الأقصى متعمدة إبراز تلك المشروبات والأقصى خلفها مباشرة!!.
وفي مشهد آخر فقد أصبحت قبة الصخرة قلب المسجد الأقصى خلفية لحفلات زفاف الصهاينة فوق سقف هذا المتحف، إذ يتم نصب منصة الزفاف فوق سقف المتحف وإقامة حفلات الزفاف فوقه وحفلات البلوغ عند الصهاينة.!
وقد جهز سقف المتحف في الجهة الشمالية منه بمدرج صغير بلغت تكلفته 180 ألف دولار يتسع لأربعين شخصا بشكل نصف دائري يحيط بقبة المتحف لجعله مكانا هاما لمشاهدة حائط البراق ( المبكى كما يزعمون )، ومن ثم بث الأكاذيب والتاريخ المزور حول المسجد الأقصى وحائط البراق. و قد جهز المكان نفسه لجعله كنيسا يهوديا تقام فيه الصلوات ويرفع فيه تابوت الشريعة أمام المسجد الأقصى، ويرتدي الصهاينة التفلين والطاليت وهم يقفون أمام جبل بيت المقدس.