حسن الهضيبي في سطور الأستاذ حسن الهضيبي
ولد حسن الهضيبي في "عرب الصوالحة" مركز "شبين القناطر" سنة 1309 هجرية،
الموافق لشهر ديسمبر 1891 ميلادية.
قرأ القرآن في كتاب القرية، ثم التحق بالأزهر لما كان يلوح فيه من
روح دينية، وتقى مبكر، ثم تحول إلى الدراسة المدنية، حيث حصل على الشهادة
الابتدائية عام 1907م.
التحق بالمدرسة الخديوية الثانوية، وحصل على شهادة البكالوريا عام
1911م، ثم التحق بمدرسة الحقوق، وتخرج فيها عام 1915م.
قضى فترة التمرين بالمحاماة في القاهرة حيث تدرج محاميًا. عمل في
حقل المحاماة في مركز "شبين القناطر" لفترة قصيرة، ورحل منها إلى سوهاج
لأول مرة في حياته دون سابق علم بها ودون أن يعرفه فيها أحد، وبقي فيها
حتى عام 1924م حيث التحق بسلك القضاء.
كان أول عمله بالقضاء في "قنا"، وانتقل إلى "نجع حمادي" عام 1925م،
ثم إلى "المنصورة" عام 1930م، وبقي في "إلمنيا" سنة واحدة، ثم انتقل إلى
أسيوط، فالزقازيق، فالجيزة عام 1933م، حيث استقر سكنه بعدها بالقاهرة.
تدرج في مناصب القضاء، فكان مدير إدارة النيابات، فرئيس التفتيش
القضائي، فمستشارًا بمحكمة النقض.
استقال من سلك القضاء بعد اختياره مرشدًا عامًا للإخوان عامًا
1951م.
اعتقل للمرة الأولى مع إخوانه في 13 يناير 1953م، وأفرج عنه في شهر
مارس من نفس العام، حيث زاره كبار ضباط الثورة معتذرين.
اعتقل للمرة الثانية أواخر عام 1954م حيث حوكم، وصدر عليه الحكم
بالإعدام، ثم خفف إلى المؤبد.
نقل بعد عام من السجن إلى الإقامة الجبرية، لإصابته بالذبحة ولكبر
سنه. رفعت عنه الإقامة الجبرية عام 1961م. أعيد اعتقاله يوم 23/8/1965م في
الإسكندرية، وحوكم بإحياء التنظيم، وصدر عليه الحكم بالسجن ثلاث سنوات،
على الرغم من أنه جاوز السبعين، وأخرج لمدة خمسة عشر يومًا إلى المستشفى،
ثم إلى داره، ثم أعيد لإتمام مدة سجنه. مددت مدة السجن - بعد انتهاء المدة -
حتى تاريخ 15 أكتوبر 1971م، حيث تم الإفراج عنه.
انتقل إلى رحمة ربه - تعالى - في الساعة السابعة صباح يوم الخميس 14
شوال 1393هـ الموافق 11 نوفمبر 1973 م. رحمه الله، وتغمده بواسع رحمته.
ملامح شخصية الأستاذ "حسن الهضيبي" حسن الهضيبي هو المسلم الذي يحفظ القرآن منذ الحداثة، والذي نشأ في طاعة
الله، فلم يفتر يومًا عن أداء الفرائض والواجبات الدينية.
وهو الإنسان الكريم الذي لم يُرَ قط في موطن ريبة منذ كان تلميذًا
إلى أن صار مستشارًا. وهو المثل المضروب بين زملائه، وعارفيه على
الاستقامة، ومتانة الخلق وقوة الشخصية، وإباء المجاملة في الحق أو الخشية
إلا من الله.
وقد طبع بيته بطابع الإسلام في آدابه، وعاداته، وأزيائه بصورة قل أن
تراها في بيوت الذين يتصدرون دعوة الدين، بل الذين تقلدوا باسم الدين أرفع
المناصب والألقاب.
وحسن الهضيبي هو الذي استنفر كبار المستشارين؛ للانقضاض على القانون
المدني الجديد، لمخالفته أصول الشريعة، فلما انقطعت أنفاسهم دون ملاحقته
بالهجوم السافر، مكتفين بتقديم مذكرة نقد رقيق، انطلق وحده إلى مقر لجنة
القانون، وسجل في مضبطتها الرسمية أنه يستنكر كل قانون لا يُستَمد من
الشريعة الغراء، أو تتضمن مواده حكمًا يتعارض مع نص في الكتاب والسنة، وقد
كان ذلك الموقف موضوع حديث الصحف المصرية؛ حتى نقلته جريدة
الإخوان بعنوان "الهضيبي ينصر الله" عن جريدة "أخبار
اليوم".
وإذا كان أكبر ما في حسن الهضيبي - رحمه الله - هو صموده وتحديه
للباطل، والمبطلين، ووقوفه أمام قوى البغي، والطغيان، رغم كبر سنه ومرضه،
فإن أبرز ما اتسمت به شخصيته هو كراهيته الشديدة للظهور، وإيثاره البعد عن
الأضواء ما استطاع، لقد كان يرفض أن تؤخذ له صورة أحيانًا، كما رفض أن يسجل
مذكراته؛ إيثارًا لما يحتسبه عند الله من أجر.
وإذا كان الإمام يؤثر الصمت، والبعد عن الأضواء، فإن ذلك تواضعًا
منه، وفضلاً، ولكن من حقه - رحمه الله - ومن حق الإمام البنا، وكل من حمل
الأمانة من بعدهم إلى اليوم أن يكونوا جميعًا أسوة وقدوة، بل ومنارات على
الطريق، يلتمس العاملون للإسلام طريقهم في ضوئها، فالشباب اليوم يقلد من
هنا وهناك، ويتلمس العظمة في بعض الرجال، إذا قيسوا بعظمة هؤلاء الأبطال،
يصبحون أقزامًا بكل المقاييس.
نماذج من جهاده في محيط عمله الأستاذ الهضيبي
أما جهاده في محيط عمله، وتخصصه، فلقد سأله يومًا رئيس محكمة النقض
والإبرام: يا حسن: ألست معي أن أكثر أحكام التشريع المدني الحديث تقابل
أحكامًا مماثلة في الفقه الإسلامي؟
قال الأستاذ الهضيبي: بلى.
قال الرئيس: فما هو إذاً الأساس الكبير والمطالبة الملحة من جانبك
بالرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وتطبيق أحكامها
قال: هو أن الله - تعالى - قال : ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾ لم
يقل: أن احكم بمثل ما أنزل الله، وإن تحكيم شريعة الله في عقيدة المسلم
عبادة تؤدى امتثالاً لأمر الله، وذلك هو مصدر بركتها، وسر قوتها في نفوس
المؤمنين بها، وفي كيان الجماعة المؤمنة.
وحين عرض مشروع تنقيح القانون المدني المصري عام 1945م على الأستاذ
الهضيبي، سجل كتابة أنه يرفض مناقشة هذا المشروع من حيث المبدأ؛ لأنه لم
يقم أساسًا على الكتاب والسنة.
وفي عام 1947م نشر الأستاذ الهضيبي - رحمه الله - مقالاً في جريدة
"أخبار اليوم" المصرية، وذلك حين عرض عليه تعديل مشروع القانون المدني
المصري قال فيه: "إن أحسن تعديل في نظري هو سن قانون من مادة واحدة، يقضي
بتطبيق الشريعة الإسلامية في الأحوال الجنائية والمدنية"، وقال: "لقد أعلنت
عن رأيي أمام لجنة تعديل القانون المدني في مجلس الشيوخ فقلت: يجب أن يكون
قانوننا هو القرآن والسنة في جميع شؤون حياتنا، وليس في الشؤون التشريعية
وحدها. إن الإسلام دين متماسك متكامل غير قابل للتجزئة، فيجب تطبيق جميع
أحكامه في كل أمة تدين به"، "هذا هو الرأي الذي جاهرت به، وأود أن أؤكد
أنني قد انتهيت من مراجعة الشريعة، ودراستها إلى أنه ليس في تشريعات
الأجانب، وقوانينهم ما لا يتضمنه القرآن الكريم، والحلال بين والحرام بين،
وكلاهما واضح المعالم والحدود إلى يوم الدين".
"وهذا ما قلته أمام اللجنة، وإنني على يقين أنهم لن يأخذوا به، ولكن لا حرج
عليَّ في ذلك ما دمت مؤمنًا بما أقول، ولكن ظني أنه بعد فترة قد تمتد إلى
عشرين أو ثلاثين سنة سيتجه الرأي إلى الأخذ بما أقول، كلما شرح الله صدور
الناس بالقرآن قرب اليوم الذي يسود فيه هذا الرأي".
لقد رأينا أن جميع القوانين التي أخذناها عن الأجانب لم تصلح من حال
بلادنا، ولم تحقق ما كان يرجى منها، فهذه السجون ملأى بالسجناء، والجرائم
تزداد، والفقر ينتشر، والحالة الخلقية، والاجتماعية تسوء كل يوم عن سابقه،
ولن يصلح الحال إلا إذا نظمنا علاقتنا بالسنن الكونية التي تنزّل الوحي
بجملة أسرارها، ومعالمها في القرآن، وإلا إذا عشنا في بيوتنا، وبين أهلينا،
وأولادنا، ومع الناس أجمعين عيشة قرآنية".
"وفي العاشر من ديسمبر 1952م أعلن الدستور المصري القديم، وبعد يومين
عُيِّن مائة عضو؛ لوضع دستور جديد كان بينهم ثلاثة من
الإخوان، ونشرت مجلة "الدعوة" مقالاً تدعو إلى وضع
الدستور على أسس إسلامية، طالب الهضيبي بالاستفتاء؛ ليتبين: أتختار مصر
شرائع الإسلام أم شرائع الغرب؟ فإذا رأت أن تحكم بالإسلام كان على لجنة
الدستور أن تنفذ ذلك، وإذا أرادت الأخذ بشرائع الغرب وهو رأي لا يمكن أن
يقول به مسلم عرفنا أنفسنا وعلمنا الأمة أمر ربها، وما يجب عليها".
تعرُّف الأستاذ الهضيبي على الإخوان المسلمين ويذكر الهضيبي - رحمه الله - أن علاقته
بالإخوان قد بدأت
منذ عام 1942م، وقد اقتنع بهذه الدعوة بالطريق العملي قبل الطريق النظري،
وذلك حين لمس من بعض أقاربه الفلاحين إدراكًا لمسائل كثيرة في الدين
والسياسة ليس من عادة أمثالهم الإلمام بها، وخاصة أنهم كانوا شبه أميين،
ولما علم أن ذلك يعود إلى
الإخوان]، أعجب بهذه الدعوة أيما إعجاب، وأخذ يحرص
على حضور خطب الجمعة في المساجد التي كان يخطب فيها الأستاذ
البنا - رحمه الله.
فمن هذا العام 1942م بدأت صلته بالدعوة، فقد كان بمدينة الزقازيق وكانت
المدينة على موعد مع الإمام الشهيد "
حسن البنا" حيث يقوم بزيارتها، وكان الإخوان
يحتشدون، ويهتمون بهذه الزيارات، ويوسعون نطاق الدعوة إلى هذا الاجتماع،
فلا يتركون طائفة ولا هيئة، ولا جماعة إلا وجهوا إليها الدعوة؛ بشهود الحفل
الجامع الذي يحاضر فيه الإمام رحمه الله.
من أجل ذلك وصلت بطاقة الدعوة كل باب، غشيت كل مجلس ونادٍ، وطرقت باب محكمة
الزقازيق؛ لتدعو رجال القضاء؛ ليستمعوا إلى ما يقرره "
حسن البنا" عن عظمة الإسلام، وكفالة النظام
الإسلامي، والمبادئ القرآنية؛ لإقامة مجتمع عالمي، وإحياء أمة، وبنا ء دولة
على أساس القواعد، وأعظم الأسس.
وكان بين الذين تلقوا الدعوة رجلان من كبار المستشارين يتميزان بخلق،
واستقامة، ونزاهة، وأدب كبير. أما أحدهما فقد سبق إلى جوار الله، وهو
المرحوم "محمد بك العوارجي" وأما الآخر، فهو رائد الدعوة، وقدوة العاملين،
وحارس الحق، وعنوان الصابرين المحتسبين الأستاذ حسن الهضيبي.
ولا أحدثك عما وراء الاستماع إلى "
حسن البنا" حين تصفو النفوس، وتتفتح المشاعر، وتهفو
الأرواح، حين يتم هذا يشعر المستمع بتيار جارف من روح الرجل، يغمر روحه،
وعقله، وقلبه، ومشاعره، فلا يحتاج إلى جهد وعناء، بل يندفع إلى الانقياد
لدعوة الحق، والعمل بها، والتعلق بها، والالتزام بالجهاد في سبيلها، ولقد
كان الإمام الهضيبي تتملكه الحسرة على مصير أمة الإسلام، ويتقد غيرة على
إنقاذها، وكانت غيرة الرجل في صدره، يعرفها كل من سمعه يتحدث، من الأصفياء
والجلساء.
لقد حمله التأثر هذه الليلة - بعد أن استمع للإمام البنا - على تقديم نفسه
له، وبعد حديث قصير كان العهد والميثاق، والبيعة.
نعم كانت بيعة ربطت حياته إلى الأبد بمصير هذه الدعوة، ومستقبلها، وهذا شأن
الصادقين من أصحاب الدعوات.
إنهم يربطون ماضيهم، وحاضرهم، ومستقبلهم بهذا الحق، ولقد حفلت شخصية
الإمام الهضيبي بنفاذ البصيرة، وقوة النفس، وصفاء الروح، لقد كشفت بصيرته
بمجرد سماعه للإمام البنا حرارة الصدق، وقوة الإخلاص، وعمق التجرد، أيقن في
لحظات أنها الدعوة التي أضنى الظمأ إليها قلبه، ومشاعره، ومواهبه أكثر من
ثلاثين سنة.
الهضيبي في نفس البنا كان
البنا - رحمه الله - ينزل الناس منازلهم، ويختار
الأسلوب المناسب ؛ لعرض الدعوة عليهم، وكسبهم لطرفها.
ومثل هذا الأسلوب كان يتبعه مع كبار الموظفين أمثال الأستاذ الهضيبي، فقد
كان حريصًا على سرية ارتباطه بالدعوة ؛ ولهذا كان الهضيبي يحضر مع البنا -
رحمهما الله - الكثير من الأسر والجلسات الخاصة، كما كان يستشيره في كثير
من الأمور، بل كان يرى فيه أخًا أكبر يستشيره، في الأزمات والمعضلات،
ويدخره ليوم عصيب، ووقت رهيب، ويحدث إخوانه عنه في جلساته الخاصة بكثير من
الإعجاب والتقدير.
بيعة الأستاذ "حسن الهضيبي" في الثاني عشر من شهر فبراير 1949م اغتال زبانية "فاروق" الشهيد "
حسن البنا" - رحمه الله - فشغر بذلك مركز
المرشد العام للدعوة، ولما كانت القيادة ركنًا من أركان هذه الدعوة، وخاصة في الظروف
العصيبة التي كان
الإخوان يمرون بها في ذلك الوقت، فقد أخذ
الإخوان يبحثون عن قائد آخر يقود سفينة الدعوة إلى
شاطئ السلام، ورشحوا لهذا المنصب أكثر من أخ من
الإخوان العاملين إلا أن الأغلبية في الهيئة
التأسيسية أجمعت على انتخاب "حسن الهضيبي" مرشداً عامًا.
وبقي الهضيبي - رحمه الله - يؤدي عمله سرًّا نحو ستة شهور، كما أنه لم يترك
العمل في القضاء خلالها.
ولما سمحت حكومة النحاس باشا؛ للهيئة التأسيسية
للإخوان بالاجتماع، طلب أعضاؤها من الهضيبي أن يرأس
اجتماع الهيئة بصفته مرشدًا للجماعة، ولكنه رفض طلبهم إذ اعتبر انتخابه من
قبل الهيئة التأسيسية في المرحلة السرية من الدعوة لا يمثل رأي جمهور
الإخوان، وطلب منهم أن ينتخبوا مرشداً آخر غيره، ولكن
الإخوان رفضوا طلبه، وقصدت وفود الإخوان من جميع مصر بيته، وألحت عليه
بالبقاء كمرشد عام للجماعة، وبعد أخذ ورد وافق على مطالب وفود الإخوان،
وقدم استقالته من القضاء؛ ليتفرغ للعمل لدعوة الله.
وفي 17 أكتوبر 1951م أُعلن "حسن الهضيبي" مرشدًا عامًا لجماعة
الإخوان المسلمين. ومع ذلك قام رحمه الله
بجولة على جميع شُعب
الإخوان؛ ليتأكد أن الوفود التي حضرت إليه تمثل رأي
جميع
الإخوان في الشُعب، وفعلاً كان....، فبايعه كل من
التقى به من
الإخوان.
وحين قبل البيعة كان يقول: "إني أعلم أنني أقدم على قيادة دعوة استشهد
قائدها الأول قتلاً، واغتيالاً، وعذب أبناؤها، وشردوا، وأوذوا في سبيل
الله، وقد ألقى ما لاقوا، وإني على ما أعتقده في نفسي من عدم جدارة بأن
أخلف إمامًا مصلحًا مثل حسن البنا رحمه الله، لأقدم وأنزل عند رغبة
الإخوان، أداء لحق الله جل وعلا، لا أبتغي إلا وجه الله، ولا أستعين إلا
بقدرته وقوته".
باكورة نشاطات الهضيبي بعد انتخابه مرشدًا كان أول نشاط رسمي عملي بدأه بإقامة حفل بدار المركز العام المؤقت، وهو
منزل الأستاذ "
صالح عشماوي" 22 ش صبري بالظاهر. وكان الحفل بناء
على اقتراح قدمه الأستاذ "أحمد حسين" -المسجون على ذمة قضية السيارة
الجيب- بأن يقام حفل لتكريم أولياء أمور المسجونين من الإخوان المسلمين،
وهيئة الدفاع عن القضايا المنظورة ومندوبي الصحافة والأبناء؛ لتقديم هدية
المسجونين إلى المركز العام الجديد... وهي عبارة عن علم الإخوان الذي تم
نسجه داخل سجن مصر، بيد المسجونين.
ولقد أشارت مجلة السيدات المسلمات إلى عملية تهريب العلم من داخل السجن إلى
الخارج، وكان أول علم يرفع بعد المحنة.
ولقد نقلت جميع الصحف، ووكالات الأنباء وأخبار هذا الحفل الكبير، ودعوته
النشاط الرسمي لجماعة
الإخوان المسلمين.
ماذا قدم الهضيبي للجماعة؟ - أما عن دعمه للجماعة، ودفاعه عنها فإن للرجل جهدًا مشكورًا، ومساهمة
طيبة في شراء دار المركز العام.
- وأنه أدى مثل هذه المؤازرة للدعوة أثناء غضبتها؛ لنجدة فلسطين.
- وأوعز إلى عشيرته، وهم أفاضل كثر، بإنشاء شعبة
للإخوان في قريتهم في "عرب الصوالحة"، وفيما يجاورها
من القرى.
- وأنه وفق -لأسلوبه الخاص، وتوجيهه الهادئ- إلى إحياء الدعوة في
منطقة شبين القناطر.
- الأستاذ الهضيبي لم تفتر صلته بالإمام الشهيد، ولم يقصر يومًا في
إمداده بالرأي، والعون المثمر في كل موقف يقتضي ذلك قبل المحنة الأولى
وبعدها على السواء، بل كان يشارك في جلسات خلصاء
الإخوان المسؤولين التى ترسم فيها سياسة الجماعة قبل
استشهاد المرشد رحمه الله، وبعد استشهاده.
- ولقد بادر عقب قرار الحل بلقاء المرشد الشهيد حيث وضع نفسه وبيته
وأولاده، ومنصبه، وماله جميعاً تحت تصرف الدعوة، ورهن إشارة المرشد بصفة
خاصة.
- وكان وحده الصدوق للدعوة في محيطه القضائي حتى لا جزم بأنه العامل
الأول والأوحد في تنظيف سُمعة الجماعة، وإلحاق مسؤولية الحوادث بأشخاص
فاعليها، وتحرير دائرة القضاء من التأثر بحملة الأكاذيب والمفتريات التي
عمدت الحكومة إلى تحويل القضاء بها عن جادة العدل، وإغوائه بإصدار أحكام
جائرة ظالمة فيما لفقت الحكومة من اتهامات.
- وكان الهضيبي يتابع نشرات
الإخوان المؤقتة بعد استشهاد الإمام، ويزودها
بالنصائح التي تجعلها بمنأى عن إثارة الحفيظة، وسلطان القانون، وأكثر إصابة
للهدف الواجب، وهو إحكام تنظيم لصفوف، وتدعيم الثبات، والثقة بالله بين
الإخوان العاملين.
- وكان له في العناية بأسر المعتقلين، والسجناء جهود لا يستحب الكشف
عنها بأكثر من هذه الإشارة.
الهضيبي في رحاب السجون بدأ المرشد العام حياته الجديدة في مكابدة لا تهدأ، ومعاناة لا تنقطع،
وقد امتحنت الجماعة وهو على رأسها مرات، وسجن هو، وعذب، وحكم عليه
بالإعدام، ثم بدل ذلك بالأشغال الشاقة، وكان يقول : "أقيموا دولة الإسلام
في قلوبكم تقم على أرضكم".
وكان في موقف العواصف الهوج - وهو سجين أعزل، وإخوانه، وأبناؤه من
حوله يعذبون، ويجلدون - يشد من أزرهم، ويدعوهم إلى الاستعلاء بإيمانهم.
يقول الدكتور "أحمد العسال " عنه: "كان يتقدمهم جميعًا بقلب ثابت،
وأعصاب هادئة؛ ليقول كلمته في وجه السفاح: إن هؤلاء خيرة شباب مصر،
فاحفظوهم ذخيرة لها، وخذوا مني ما تريدون".
وما أكثر ما مرت به أزمات صحية، ونقل في بعضها إلى المستشفى، فما
تزول الأزمة إلا وطلب بنفسه أن يعود إلى حيث كان؛ ليظل مشاركًا إخوانه،
وأبناءه ويقول: "إن السجن حالة نفسية، وليس هو الجدران والأسلاك".
ويقول عنه أيضًا: وسوف لا أنسى ما حييت ما قصه علينا، وقد فاضت
عيناه تأثرًا من قصة ذلك الأخ الفقير الذي وجد ساعة ثمينة لأحد الباشاوات
بينما كان ينظف دورة المياه في أحد المعتقلات، وذهب الأخ ليردها، فاقترح
أحد زملائه أن يدفع له شيئًا من المال جزاء أمانته، ورده للساعة. فقال الأخ
في نفس عالية: "إنني ما زدت أن رددت أمانتك إليك، ولا أريد بذلك إلا وجه
الله، ولا حاجة لي في ذلك".
ثم قال الأستاذ رحمه الله: "ولقد كنت أعلم أنه في أمس الحاجة،
ولكنها العفة والطهارة" ثم فاضت عيناه ويقول عنه الأستاذ "أحمد حسين" زعيم
مصر الفتاة - رحمه الله - "لقد ضمنا السجن الحربي في مارس 1954م، وأشهد
أنه كان معي كريمًا، وبي عطوفًا، وأحسب أن أعظم تكريم له هو في تكريم
الإخوان المسلمين، ولقد سألني صحفي ما رأيك في
الإخوان في معركة فلسطين؟
فأجبته بأنه كان أعظم الأدوار؛ حتى لقد كانوا هم الذين أنقذوا الجيش
المصري من الوقوع في كارثة، عندما حموا مؤخرته وهو يتراجع، ويجب أن تعرف
الدنيا كلها مني أنا أن من حارب الفقيد، وحارب الإخوان بالحديد والنار،
إنما كان يفعل ذلك لحساب الشيطان، ولا تظنوا يا أحبائي أنني أقول هذا
الكلام الآن فقط، فقد غادرت مصر عام 1955م؛ احتجاجًا على ما حل بالإخوان،
وكان آخر لقاء بيني وبين
عبد الناصر يدور
حول هذا الموضوع، ثم يقول: "إن شهيدكم، وشهيد الإسلام إذ ينعم الآن بالحياة
إلى جوار ربه، فسوف يسجل له التاريخ أنه كان كابن حنبل، رفض أن يساوم أو
يتزحزح عما يتصوره حقَّا".
كلمة أخيرة لقد سجل رجال الدعوة الإسلامية في عصرها الحديث بطولات، وكانت، وما زالت
لهم مواقف، ونستطيع أن نقول مطمئنين: بأنها ترقى إلى مستوى ما سجله حملة
المنهج الإلهي من الرعيل الأول من المسلمين، وواجب الحركة الإسلامية أن
تكرم أبطالها، وأن تحتفي بشهدائها؛ ليكونوا قدوات يسترشد بها العاملون، وكل
من يسلك هذا الطريق.
آثار الأستاذ "حسن الهضيبي" (1) دعاة لا قضاة.
(2) إن هذا القرآن.
(3) الإسلام والداعية "مجموعة كتابات جمعها أسعد سيد أحمد"
المراجع
- "الموسوعة الحركية" لمؤسسة البحوث والمشاريع الإسلامية بإشراف
الأستاذ/ فتحي يكن
مجلة الشهاب. العدد "13"
- آفاق عربية "مقال الأستاذ/ محمد عبد الله الخطيب".