هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الوقت هو الحياة
بيان تأسيس جبهة التغيير
تنبأ نحناح رحمه الله بثورة الشعوب العربية 2001
وصية الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله
وحدة حمـــــــــــــــــــاس وفتــــــــــح
حق العودة إلى الأرض
إنا باقوووون على العهد
في كل مرة تشهد فيها العاصمة أحداث شغب بالأحياء الشعبية، سرعان ما تطفو على يوميات المواطن البسيط بسبب ما تخلّفه من خسائر مادية وأحيانا بشرية، مثلما حدث بحيي ''ديار الشمس'' بالمدنية و''ديار الكاف'' بباب الوادي، أو غيرهما من الأحياء التي يفاجئنا شبابها في كل مرة بانتفاضة للفت الانتباه لما يعانونه أو لإخراج مخزون الغضب الذي أصبح تراكمه هو المحرك الأساسي لسلوكياتهم·· من بين هذه الأحياء، حي ''القرية السوداء'' بباش الجراح (الحراش)، الذي يعيش سكانه يوميات ضنك·· حاولت ''الجزائر نيوز'' رصدها لكم في هذا الروبورتاج· روبورتاج: زهور شنوف مدخل هذا الحي يوحي بشكل كبير إلى حي القصبة العتيق بأعالي العاصمة، فولوجه يكون عبر سلالم مهترئة تتجه إلى الأعلى في شكل هرمي، كلما تعمّقت فيه تشعر أن البيوت تحيط بك بشكل حلزوني خانق، وأن أبوابها المصفوفة عبر تلك ''السقيفات'' الضيقة تتشابك·· هنا اكتشفنا عالما آخر، جزائر أخرى، حزينة ومثقلة بلوم أبناء لا يملكون من المواطنة وحقوقها إلا مجموعات كبيرة من نسخ عن ملفات الشكاوى التي تقدموا بها إلى مسؤولين من أوزان مختلفة عبر تاريخ الجزائر المستقلة· حكاية القبر المنسي سكان هذا الحي الواقع بين حسين داي والحراش، والذي ألحق سنة 1970 ببلدية باش جراح، يؤكدون أنه أسس قبل هذه الأخيرة بكثير، حيث يروي أحدهم أن بعض البيوت بُنيت في عهد الأتراك، في حين يؤكد آخر أن أسرته امتلكت المنزل سنة ,1922 والجميع يتحدث عن السوفي، وهو الرجل الذي يعود له الفضل في تشييد الكثير من البنايات في القرية، في الوقت الذي لم يكن فيه السكن معضلة بالنسبة للجزائري، حيث يمرّ شخص عبر الأحياء وهو حامل رزمة مفاتيح وينادي ''أيا ديار ديار ألي يشري دار''، لكن هذا الزمن ولى، وبيوت السوفي تحوّلت إلى قبر منسي تهدد بوقوع كارثة إنسانية بالحي الذي استمد اسمه من مصنع الأسمدة الذي كان في الجهة المقابلة، والذي يقال بأن تسمية القرية السوداء جاءت نسبة له بسبب ترجمة خاطئة لكلمة ''لونفري'' الفرنسية·· عمي العيد·· ''الشكوى لربي'' كانت البداية بزيارتنا إلى عائلة ''صديقي'' التي تعرّض منزلها، الذي يفوق عمره الـ 150 سنة، منذ أيام، إلى حريق بسبب شرارة كهربائية، يعيش في هذا البيت عدد كبير من الأفراد رغم صغر حجمه ووضعيته المتقدمة في الاهتراء خصوصا مع الآثار التي تركها الحريق· في الطابق السفلي يعيش الأخ الأصغر مع أسرته المتكونة من 5 أفراد يتقاسمون غرفتين، مهددتين بالانهيار بسبب القِدم وظهور التشققات الضخمة على الجدران· في الطابق العلوي يعيش الأخ الأكبر السيد العيد، في عقده الخامس، نحيل وعصبي، يحمل دائما سيجارة في يده بسبب معاناته اليومية، يقول الجيران إن عمي العيد لا يعرف طعم النوم إلا في الساعات الأولى من الليل، فهو منذ منتصف الليل واقف أمام نافذة المطبخ المطلة على الشارع، سألناه لماذا؟ قال ''تفضّلوا شوفوا بعينيكم''، الصعود إلى منزل عمي العيد في الطابق الثاني مهمّة شاقة بسبب وضعية السلالم، التي تؤدي إلى ثلاثة غرف تأوي عشرة أفراد، كل الأسطح تعرف تشققات وتسرب مياه الأمطار، فقد يئس من عملية الترميم التي كلما انتهى منها عادت الأمور إلى سابق عهدها، نظرا إلى عمر البيت نفسه الذي امتلكته العائلة منذ 150 سنة· أزمة السكن ليست المشكلة الوحيدة للسيد العيد التي تدفعه إلى التدخين بشكل جنوني، حيث أنه فقد عمله بعد أزمة التسعينيات التي عصفت بالبلاد، فهو المعيل الوحيد لجميع أفراد الأسرة، الذين لا يعمل أي منهم، إلى جانب إصابة أغلبهم بمرض الربو، وإصابته وزوجته بمرض السكري· والأمر الأدهى أن دخل هذه الأسرة -يقول عمي العيد: ''1000 دينار أتقاضاها من البلدية كل شهر، وأشتري علبة دواء الربو بـ 2800 دينار، ذهبت إلى وزير التضامن لأجد حلول لوضعي ''فمنحوني كيلو عدس وكيلو سكر··· والشكوى لربي''· العمر ينتهي والوعود لا تتحقق بعد عائلة صدوقي اتجهنا نحو عائلة تركي، كانت مشكلة الكهرباء مطروحة بشدة عند الجميع بعد الحريق الذي نشب في الشارع، ففي مدخل المنزل كان هناك عامل كهرباء يحاول إصلاحها، استقبلتنا السيدة والسيد تركي، رغم ذلك، بصدر رحب، ولجنا المنزل الذي ليس في حالة أفضل من سابقه، فالأسطح مثبتة بدعائم حديدية مخافة من السقوط، وأي إصلاح لا يحمل في طياته أمل في غد أفضل، يقول محمد في عقده السادس بكثير من اليأس: ''كأننا لسنا جزائريين، لا نملك إلا الوعود والكثير من الوثائق التي تثبت أننا قدمنا طلبات سكن دون فائدة''، ثم أخرج عمي محمد علبة مليئة بالملفات ''منذ سنة 1972 وأنا أقدم طلبات للحصول على سكن ولم يتحقق حلمي إلى حد الآن، ماذا تبقى في العمر لأهدره في حلم لا يأتي أبدا''، ثم أخرج قائمة أسماء طويلة قدمت للبلدية كتب أمام أغلبهم ''متوفى''، ثم قال ''معظم هؤلاء السكان توفوا دون أن يحققوا رغبتهم في الخروج من هنا، فكيف تريدون أن نصدق أننا جزائريون''· من بين الوثائق التي ما تزال تحتفظ بها العائلة منذ سنة 1980 شهادة طبية يؤكد فيها الطبيب المعالج أن أحد أطفال العائلة مصاب بالربو، ويجب تغيير المحيط، وبعد ثلاثين سنة ما تزال العائلة في نفس الحي· وداعا حلم الجزائر المستقلة تجولنا في هذا الحي الشعبي، واستطعنا دخول معظم منازله، نفس الظروف تعيشها كل العائلات والمحظوظ هو من استطاع أن يمضي الشتاء بسلام، فالضيق ليس وحده هو ما يؤرق السكان، فإن كانت عائلة فرحي استطاعت أن تقوم ببعض الإصلاحات الداخلية في المنزل الذي تجتمع فيه أسرة كبيرة العدد، فإن مشكل غياب فضاء للأطفال في حد ذاته أمر يؤرق الجميع، ففي الداخل اكتظاظ والشارع غير آمن خاصة مع الغياب الكامل للتهيئة، لأن البلدية بعد أن أدخلت غاز المدينة إلى الحي لم تكمل عملية التهيئة، حيث أن العملية اقتصرت على إيصال خطوط الغاز إلى الشارع دون البيوت· وفي ظل غلاء أسعار الأنابيب النحاسية بقيت وضعية سكان الحي على حالها، فلم يتمكن الجميع من القيام بالعملية بطريقة فورية، وبعد أن رحل العمال لم يعودوا وبقي الشارع دون تهيئة ما عدا بعض الإصلاحات الطفيفة التي أجراها شباب الحي الذين تطوعوا من أجل حماية الصغار من الحوادث، خاصة وأن ''الحومة'' لم تحصل على امتياز الإضاءة في الشارع· وإن كان البعض يواجه مشكلة الضيق، فإن مشكلة عائلة سعودي أن البيت ليس ملكا لها، فهم مستأجرين وصاحب المنزل قام برفع دعوى ضدهم لإخلاء المكان· تعيش الحاجة يمينة هنا منذ سنة 1956 ما يعني أن هذه السيدة ما تزال لم تذق طعم الجزائر المستقلة، فهي مازالت في الظروف التي تركتها فيها فرنسا الاستعمارية، بل الوضع أصعب تقول: ''كيف يمكن أن يعيش أي شخص في هذه الظروف، لقد سقط السطح علينا منذ فترة قريبة وكاد أن يودي بحياتنا، وكل يوم نسمع عن مشاريع ملايين السكنات ونتساءل من الذي يسكن فيها، الشناوة؟''· إضافة إلى كل الذين مررنا بهم في الشارع، عائلة حاجي المتكونة من أكثر من 12 شخصا تعيش هي الأخرى نفس الوضعية، ولا تتأسف السيدة حاجي إلا على ابنها المعاق الذي ينام تحت القطرة في وضعية غير إنسانية· سونلغاز·· نلتقي بعد صلاة الجنازة زيارتنا إلى الحي جاءت بعد عشرة أيام من احتراق منزل السيد ''صديقي''، لكن الكارثة أن الوضع مازال على حاله، وسونلغاز لم تعد للمعاينة وحل المشكل، حيث أكد الذين التقيناهم أن يوم الحريق اتصل الجيران وصاحب المنزل بمصالح سونلغاز مرارا ابتداء من الساعة الـ 11 صباحا، لكنها لم تتنقل إلى غاية الرابعة مساء، ولم تقدم أي حل للسكان، جاء عمالها ليقولوا أن العداد هو السبب ورحلوا دون أن يصلح الوضع أو يقدموا أي حل· وجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها الحي لمثل هذه الكوارث، وذلك لأن وضع الأسلاك الكهربائية عشوائي، فعائلة سعودي تعرّضت مؤخرا لحريق، لكن الأسلاك الكهربائية ما تزال متدلية في باحة المنزل، وهذا الأمر ينطبق على الجميع، وهو ما ينبئ بكارثة ستتبرأ منها مصالح سونلغاز مباشرة بعد صلاة الجنازة مثل كل مرة؟ الميترو لا يأتي ومرض الربو لا يذهب عند نهاية الحي، وتحديدا في المكان الذي كان يقع فيه مصنع الأسمدة، تجري اليوم أشغال ميترو الجزائر، التي حوّلت حياة السكان إلى جحيم حقيقي في ظل طول المدة، والآثار التي تركها زلزال 2003 على المنازل التي أصبحت حسب - شباب الحي - تتأثر حتى بمرور الطائرة الذي تحدث اهتزازات كبيرة في الجدران المتشققة· وفي ظل هذه الظروف حاول المواطنون الاتصال بالبلدية للحصول على ترخيصات للبناء، لكنها رُفضت نظرا لهشاشة البناءات واتصالها المباشر ببعضها البعض - حسب السكان - الذين يعيشون رعبا حقيقيا في ظل هذه الظروف، خصوصا مع تفاقم معاناتهم من مرض الربو الذي باتت لا تخلو أسرة منه· حي له تاريخ·· ليس له مستقبل هنا في هذا الحي بالذات، لا يزال المنزل الذي ترعرع فيه الفنان قاسي تيزي وزو، واقفا بأقواسه التي توحي بالطراز العثماني الجميل، ولا يزال سكان هذه القصبة الصغير الآيلة للسقوط في أية لحظة، يتذكرونه ويتحدثون عنه وعن ذكريات فريق ''النهد'' الذي خرج من رحم القرية السوداء كوريفا، كرومبا، ساسي··· وغيرها من الأسماء التي صنعت ذاكرة القرية السوداء التي باتت تنبئ بمستقبل أسود لأبنائها·