فالزوج الذي يتمنى أن يسعد بزوجته ، وأن تسعد به زوجته ، والزوج الذي يتمنى أن يدوم هذا الزواج ، وأن تتنامى العلاقة بين الزوجين على مرِّ الأيام والشهور ، هذا الزوج عليه أن يغضَّ بصره عن محارم الله ، لأن الإنسان إذا أطلق بصره دفع الثمن باهظاً ، دائماً يجب أن تعتقد أن بين الطاعة ونتائجها علاقةٌ علمية ، وأن بين المعصية ونتائجها علاقةً علمية ، هذه العلاقة إطلاق البصر يؤدِّي إلى فساد ذات البين ، وغضُّ البصر يؤدي إلى الموافقة فيما بين الزوجين ، يا ترى هل غض البصر وحده يؤدي إلى هذه السعادة ؟ أم أن العناية الإلهية تتدخل لهذا الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى :
( سورة النازعات )
فيلقي في قلب الزوجة حبَّ زوجها ، ويلقي في قلب الزوج حبَّ زوجته ، إما أن غض البصر وحده يعدُّ سبباً كافياً ، على اعتبار أن الإنسان ليس في عالمه إلا زوجته ، أو أن العناية الإلهية تتدخل تدخلاً مباشراً لتلقي في قلب كلٍ من الطرفين حبَّ الطرف الآخر ، وليس غريباً أن تنفرد آيةٌ كريمةٌ في كتاب الله واضحة الدلالة ، تشير إلى غض البصر:
( سورة النور : آية " 30 " )
أي أن الزوج الذي يتمنى أن تستمر سعادته الزوجية ، وأن تتنامى ، عليه أن يغض بصره عن محارم الله ، وقلت لكم من قبل أشياء كثيرة في هذا المعنى ، أن الله سبحانه وتعالى جلَّت حكمته ، شرعه أو بعض بنود شرعه يتوافق مع القوانين الوضعية ، فإذا كفَّ الإنسان نفسه عن السرقة ، ربما كفَّ نفسه عن السرقة خوفاً من الله تعالى ، وربما كفَّها خوفاً من عقاب القانون الذي لا يرحم أحياناً ، لكن شاءت حكمة الله أيضاً ، أن ينفرد الدين بأوامر ليس في الأرض كلّها تشريعٌ يحظرها أو يمنعها ، كالنظر إلى النساء ، لا في القوانين القديمة ، ولا الحديثة ، لا المتقدمة ولا المتخلفة ، لا قبل مجيء السيد المسيح ، ولا بعده مجيئه ، موضوع إطلاق البصر وغض البصر ما تدخلت به القوانين إطلاقاً ، فهذا الذي يغضُّ بصره عن محارم الله ، هل تستطيع أن تفسر عملّه هذا خوفاً من القانون ؟ هذا مستحيل ، لا يفسر غض البصر إلا إخلاصاً لله عزَّ وجل وإلا خوفاً منه .
فأنا قلت لكم سابقاً : إن الإنسان يصلي في اليوم خمس مرات ، لكن إذا سار في طريقٍ ، وغض بصره غضاً حازماً ، مع كلِّ نظرةٍ صرفها عن محاسن امرأةٍ أجنبيةٍ يرقى بها عند الله ، فكما أن الله عزَّ وجل جعل لك الصلوات الخمس مناسباتٍ تتصل بها بالله عزَّ وجل ، جعل لك غض البصر منسباتٍ عديدةً جداً تتصل بالله عزَّ وجل فيما بين الصلوات .
لذلك ما من دعوةٍ إلى الله تهمل غض البصر إلا وقعت في مطبٍ كبير ، ما هو هذا المطب ؟ أن الإنسان إذا أطلق بصره حجب عن ربه ، فإذا حُجب عن ربه ، شعر أن عبادته اقتربت من أن تكون جوفاء ، شعر أن الصلاة لا طعم لها ، وأن تلاوة القرآن لا طعم لها ، وأن ذكره ليس له مردودٌ في قلبه ، فلذلك إذا أراد الزوج أن يسعد بزوجته فعليه أن يغض بصره عن محارم الله ، تنفيذاً لأمرٍ قرآنيٍ قطعي الدلالة :
( سورة النور : آية " 30 " )
طبعاً الشريعة متكاملة ، أمرت النساء بالتحجُّب ، لكن لو أن النساء لم يأتمرن بهذا الأمر ، ماذا يفعل الرجل ؟ أُمِر بغض البصر ، لأنّ غض البصر يصلح في مجتمع منضبط ومجتمع متخلف ، فإذا تفلَّت المجتمع فغض البصر هو الرد الحقيقي على طريقٍ ممتلئ بالنساء الكاسيات العاريات .
(