على هامش الهجرة النّبويّة المباركة
إنّ الأمّة الإسلامية إذ تحتفل بميلاد السنّة الهجرية الجديدة تدرك لا محالة أنّها إذا رضيت بالقعود عن الجهاد في سبيل الله خوفًا على الحياة أو على المال أو على اللذائذ والمصالح والمتاع، فإنّها مهدّدة في عزّها وسلطانها. والعذاب الّذي يتهدّدها ليس عذاب الآخرة وحده فهو كذلك عذاب الدنيا، عذاب الذلة الّتي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، والغلبة عليهم للأعداء، والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين. وما من أمّة تركت الجهاد إلاّ ضرب الله عليها الذل، فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلّبه منها كفاح الأعداء.. وفي هذا يقول جلّ علاه: ''يَا أيّها الّذين آمنوا مَا لَكُمْ إذا قيل لكُم انفروا فِي سبيل الله إثّاقلتم إلى الأرض أَرضِيتُمْ بالحياة الدنيا من الآخرة فمَا متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاّ قليل* إلاّ تَنْفِرُوا يعذّبكم عذابا أليما ويستبدل قومًا غيرَكُم ولا تضرُّوه شيئًا والله على كلّ شيء قدير'' التوبة 38ـ.39 وما يحجم ذو عقيدة في الله عن النفرة للجهاد في سبيله إلاّ وفي هذه العقيدة دخل وفي إيمان صاحبها وهن. لذلك يقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ''مَن مات ولم يغزُ ولم يحدّث نفسه بغزو مات على شعبة من شعب النفاق''. ويضرب الله لنا معشر المسلمين من الواقع التاريخي الّذي نحفظه، على نصرة الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم بلا عون من أحد ولا ولاء، والنصر من عند الله يؤتيه مَن يشاء. ''إلاّ تنصروه فقد نصرَهُ الله إذْ أخرَجَه الّذين كفروا ثاني اثنين إذْ هُمَا في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنَا فأنزل الله سكينته عليه، وأيّده بجنود لم تروها، وجعل كلمة الّذين كفروا السُّفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم'' التوبة .40
ذلك حين ضاقت قريش بالرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم ذرعًا كما تضيق القوة الغاشمة دائمًا بكلمة الحق، لا تملك لها دفعًا ولا تطيق عليها صبرًا فاتمرت به، وقرّرت أن تتخلّص منه، فأطلعه الله على كيدها وأوحي إليه بالخروج، فخرج وحيدًا إلاّ من صاحبه الصديق لا جيش ولا عدة وأعداؤه كثر، والقوم على إثرهما يتعقّبون والصديق رضي الله عنه يجزع لا على نفسه ولكن على صاحبه أن يطلعوا عليهما وهما في الغار (غار ثور) فيخلصوا إلى صاحبه الحبيب، يقول له: ''لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه'' والرّسول صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل الله سكينته على قلبه، يهدئ من روعه ويطمئن من قلبه فيقول: ''يا أبا بكر ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما؟'' وكان ذلك على الراجح في اليوم الثاني من ربيع الأول الموافق 20 سبتمبر سنة 622 م بعد أن مضى ثلاثة عشر سنة من البعثة.