حوار مع أحد مؤسسي الحركة الإسلامية بالسودان..
الدكتور يوسف حسن سعيد:
ـــ أزعجنا في نشاط الشيوعيين بجامعة الخرطوم الإلحاد والاستهزاء بالملتزمين وتأييد تقسيم فلسطين.
ــ جنّدت محمد خير عبد القادر أول أمين عام للإخوان المسلمين، والطيب صالح الروائي المعروف.
ـــ في العام 1946م انتميت إلى خلية شيوعية واصطدمت برئيس الخلية لاستهزائه بالقرآن وغادرت بعدها الشيوعية.
ـــ من غرائب الموافقات أننا أنشأنا حركتنا في نفس الأيام التي اغتيل فيها الإمام حسن البنا.
ــ جنّدت فاطمة طالب وبابكر كرار جند سعاد الفاتح.
ـــ في المرحلة الوسطى التهمت كل عبقريات العقاد وكنت مشتركا في مجلتي (الرسالة) و(العروة الوثقى).
أجرى الحوار: حسن عبد الحميد
الدكتور يوسف حسن سعيد كان أحد ثلاثة أسسوا الحركة الإسلامية المعاصرة بالسودان مع زميليه محمد يوسف وبابكر كرار، وكانت تُعرف في أول عهدها بحركة التحرير الإسلامي، ثم عُرفت لاحقا باسم الإخوان المسلمين، جلسنا إليه بمنزله بأمدرمان ودنوباوي نقلب معه ذكرياته الأولى في الحركة الإسلامية، والرجل شديد التواضع، ينطوي على كثير من الأسرار عبر مختلف الحقب التاريخية التي مرت بالسودان منذ قبيل الاستقلال حتى الآن، لكنا آثرنا أن نتوقف عند محطة مغادرته التنظيمية للحركة في العام 1953م، على أمل أن نواصل معه ذكرياته في فرص أخرى، والرجل غادر الحركة الإسلامية تنظيميا لكنه بقى مهموما بقضايا الحركة الإسلامية وقضايا السودان ككل، ومتابع جيد للأحداث حتى اليوم، وقد التقى برئيس الجمهورية المشير عمر البشير أكثر من مرة وناصحه في الأمور العامة، والدكتور يوسف حسن سعيد يسوؤه اختلاف الإسلاميين اليوم، ويعجبه موقف رئيس الجمهورية من المحكمة الجنائية الدولية.
* دعنا نبدأ من الأول، من الميلاد والدراسة الأولية والثانوية مرورا بالخلوة على عادة أبناء زمانكم؟
ــ أنا من مواليد 1926م، وكنت ختميا حتى أولى وسطى، في الفترة من 1938 ـ 1941م كنت في خلوة بالدامر حيث التقيت لأول مرة بعبد الله الطيب وكان آنذاك طالبا في المدارس الثانوية العليا، في الفترة من 19441 ـ 1942 درست بمدرسة مدني الوسطى حيث سكنت مع الأستاذ محمد يوسف في نفس البيت، والتقيت هناك بالأستاذ بابكر كرار الذي درس معنا بنفس الدفعة بمدني الوسطى، وفي مدني الوسطى التقينا بأستاذنا الصائم محمد إبراهيم ( خال الأستاذ أحمد عبدالرحمن ) الذي كان يدرسنا مادة الإنجليزي وقد انجذبنا إليه وانجذب إلينا وكان أصيلا يهتم بالأصالة ويكره الأفندية، وقد سافر الأستاذ الصائم في العام 1945م إلى مصر حيث درس القانون هناك ونال درجة الدكتوراه من ألمانيا ثم جاءنا في حنتوب في العام 1948م حيث التقى بنا ـ بابكر كرار، ومحمد يوسف، وأناـ وكان يجند الطلاب الذين يلتحقون بمصر. ثم أكملت المرحلة الوسطى ببربر وهناك كنت أقرأ كثيرا حيث وجدت رجلا اسمه الهادي محمد أحمد سليم يملك مكتبة كبيرة وهي مكتبة رائعة وفيها قرأنا (العروة الوثقى) للأفغاني ومحمد عبده وكانا يكفّران الميرغني الكبير لوقوفه مع الإنجليز ضد المهدية، وكنت مشتركا في جميع المجلات المصرية كالرسالة والثقافة وغيرهما، وكذلك قرأت كل كتب العبقريات للعقاد.
* في المدارس الثانوية.. ماهي أهم نشاطاتكم، ومن الذين عاصرتهم في تلك الفترة وزاملوك في الدراسة الثانوية؟
ــ في العام 1945 درست سنة بمدرسة وادي سيدنا الثانوية، وفي العام 1946 دخلت خلية شيوعية بمدرسة وادي سيدنا وكان رئيس الخلية عبد القيوم أحمد سعد، وكان معي في الخلية أحمد محمد بابكر، واصطدمت مع رئيس الخلية في موقفه من القرآن الكريم إذ كان يهاجم القرآن ويستهزأ به وكنت لا أرضى ذلك لأني أصلا قد حفظت القرآن في الخلاوي، وقد اعتبروا موقفي المؤيد للقرآن من الرواسب الدينية للأفراد، وشعروا أن رواسبي قوية فأهملوني جانبا.
أول العام 1947 تحوّلت إلى مدرسة حنتوب الثانوية لأني كنت أفكر في الامتحان من السنة الثالثة وكان مستر براون مدير المدرسة يسمح بذلك، والتقيت هناك مجددا بمحمد يوسف وبابكر كرار، وسكنت في داخلية أبوعنجة وكان فيها جعفر نميري وكنا نسبقه بسنة، وفي العام 1947 جاءنا الترابي من رفاعة وكونا جمعية أدبية كنت أنا رئيسها والترابي سكرتيرها، والترابي كان يحب القراءة ولم يكن يشارك في الألعاب.
* إذن عندما انتقلتم إلى جامعة الخرطوم كنتم على معرفة وممارسة بالنشاط العام، فماذا وجدتم في الجامعة، وكيف كان أداؤكم في العمل العام؟
ــ في العام 1949م دخلنا جامعة الخرطوم ثلاثتنا محمد يوسف وبابكر كرار وأنا، ووجدنا أن الشيوعيين يهيمنون على الجامعة، وبخلفيتنا الشيوعية السابقة أدركنا خطورة ذلك، وقد أزعجنا في الشيوعيين ثلاث مسائل:
1ـ الإلحاد ومهاجمة القرآن.
2ـ أنشاء بيئة صار الفساد الخلقي يُدافع عنه فكريا، بحيث أصبحوا يستهزئون بالمصلين ويحتفون بشاربي الخمر.
3ـ أيدوا تقسيم فلسطين وقيام (إسرائيل) لأن هذا هو خط الحزب الشيوعي السوفيتي.
وكان الشيوعيون قد جاءوا لبابكر كرار ـ الذي كان شيوعيا في المدرسة الثانوية ـ بكتاب عنوانه (الإخوان في الميزان)، وهذا الكتاب أثر فيه بعكس ما يريد الشيوعيون، إذ اقتنع كرار بفكر الإخوان وصار يدافع عنهم وترك الشيوعية.
أراد الشيوعيون أن يسيطروا على المدارس الثانوية عبر هيمنتهم على الجامعة، وكان كل من مندور المهدي ومحمد إبراهيم خليل، وسر الختم السنوسي يعارضون الشيوعية في جامعة الخرطوم، ولكن لم تكن هناك رابطة تجمعهم، وقد فوجئوا عندما علموا أننا أيضا نعارض الشيوعية.
اتفقنا بابكر كرار ومحمد يوسف وأنا أن نكون تنظيما واجتمعنا بصورة سرية بالقرب من حديقة الحيوان وأسمينا أنفسنا (حركة التحرير الإسلامي) كان ذلك في العام 1949م، وكنا عنيفين ضد الشيوعيين، وهم الذين أسمونا الإخوان المسلمين، وكنا نشطين جدا في التجنيد، ومن الذين جندتهم محمد خير عبد القادر، وأحمد محمد بابكر، و الطيب صالح.
* هل كنتم تسمعون عن حركة الإخوان المسلمين بمصر،والتي أكملت في أواخر الأربعينيات حينها أكثر من عشرين عاما؟
ـــ من غرائب الموافقات أننا بدأنا حركتنا في نفس الأيام التي اغتيل فيها الإمام حسن البنا، ورغم أنني كنت أقرأ الصحف المصرية حينها إلا أنني لم أكن أقرأ عن البنا بسبب التعتيم الإعلامي المفروض على الإخوان.
* +