14/06/2009 بشير بوصبيع (*)
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
image
كما يعلم الجميع أن الشيخ محفوظ نحناح عليه رحمة الله بدأ نشاطه الإصلاحي كداعية ومربي حيث تدرج من منابر المساجد إلى مدارج السياسة والدبلوماسية
إلى أن أصبح علما ورمزا متميزا قلَّ من يماثله ويضاهيه، ومما تميز به في مسيرته الدعوية والسياسية قدرته على المزج والملائمة بين العمل الدعوي والعمل السياسي وهو الذي كان لا يؤمن بالفصل بين السياسة والدعوة أو السياسة والتربية برفضه ما أسماه باللائكية الحركية حيث كان يؤمن بأن رسالة الإسلام تتناول جميع شؤون الحياة ومظاهرها فلا فصل بين السياسة والتربية أو بين السياسة وحاجات الناس التربوية والاجتماعية، إلا أنه كان من الداعين إلى أخلقة السياسة، حيث كان يؤمن بأنه لا يستقيم أمر بدون خلق وتربية، وقد قال رحمه الله في محاضرة قدمها في إحدى ملتقيات التربية للحركة: "... إن الحركة التي جمعتنا؛ نخاعها الشوكي وعمودها الفقري هو التربية، قد تدخل الساحة من غير إعلام وقد تدخل الساحة من غير تخطيط وقد تدخل الساحة بغير مال وقد تدخل الساحة من غير بحث عن الوسائل الأخرى، لكن الساحة المحلية والإقليمية والدولية لا يمكن الدخول إليها إلا عبر عمل تربوي يمس كل جوانب حياة الإنسان الداخلية والله تعالى قال: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)...".
ورغم نشاطات الشيخ المتعددة والمتنوعة ورغم خوضه معترك السياسة والتعمق في دهاليزها، إلا أن التربية كانت ملازمة له في حله وترحاله، لقد كانت التربية نفَسه الذي يخرج من بين جنبيه ومتنفسه الذي يلجأ إليه، لقد كان أثناء سيره وفي كل مساره مهتديا بجملة من المعاني والأسس التربوية كانت تنير له الطريق، كان يؤمن بضرورة التربية حال المنحة وحال المحنة، وفي كل مرحلة من مراحل العمر الإنساني، وفي كل جولة من جولات العمل الإسلامي...
ومن هذه المعالم التربوية أذكر:
1ـ المرجعية:
لقد كان أثناء مسيرته الدعوية وفي كل مساره السياسي مهتديا بجملة من المعالم التربوية تشربها من فهمه للإسلام، واستقاها من سيرة خير الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وحاز عليها بحسن استيعابه لمنهج العمل الدعوي والجماعي.
فالتربية عند الشيخ رحمه الله ليست تربية محدثة أو مبتورة، إنما هي تربية مسنودة لها مرجعيتها العقدية والفكرية، تحتكم إلى منهج تربوي متميز ورجال دعوة وتربية لهم شارات وسمات، منهم استقى الشيخ وعنهم أخذ وانتقى دررا ونفائس تربوية، صوبت فكره وصقلت روحه، ثم اجتهد وأبدع بالإضافة إليها فكساها حللا جميلة ورصعها بدرر نفيسة أضفت عليها روعة وبهاء ووضعها شارات ومعالم أنارت طريق الداعين ودرب العاملين، فاهتدى بها الركب من بعده وجند الدعوة من ورائه.
2ـ الربانية:
كان رجلا ربانيا مرجعيته الفكرية والدعوية والسياسية شريعة الله عز وجل كتابا وسنة وفهمه السليم المتوازن للإسلام وقضاياه، مراعيا في عمله الدعوي واجتهاده السياسي ظروف الجماعة وحال الأمة وواقع البلد، فقد كان يوازن كثيرا بين هذه العناصر لكنه كان دائما يقدم مصلحة الإسلام والأمة والبلد على مصلحة الحركة، كان يتخذ المواقف ويتمسك بالآراء التي يراه أصوب وأرضى لله وأنفع للأمة وإن أغضبت الأتباع وعموم الناس، وهو الذي سخر نفس وحركته في خدمة الأمة وقضاياها... قال في رثائه الشيخ فيصل مولوي: "أيها الفقيد الحبيب يا فارساً ترجل وهو في ذروة العطاء، يا قائداً أخلى الساحة اليوم لكنه ترك وراءه نخباً من القيادات… يا رجلاً صدق ما عاهد الله عليه، وظل يجاهد بأعز ما عنده حتى توفاه الله لقد خالفناك في بعض اجتهاداتك السياسية، لكننا نشهد اليوم أمام الله وأمام الناس، أنك كنت مثالاً في الصدق والالتزام والعمل، تضع الإسلام في ميزانك قبل الحركة، وتعتبر مصالح الأمة قبل مصلحة الجماعة، بل وترفض التعارض في هذا المجال، وتصرّ على التكامل طبت حياً وميتاً، تغمدك الله بواسع رحمته".
وقال عنه الداعية د. توفيق الواعي: "الأستاذ محفوظ نحناح، رجل الفكرة والعقيدة ورجل المواقف الصعبة والأزمات الجسام، صاحب العقل الناضج والفكر النابه، والحجة البالغة، والذاكرة الوهاجة، والبصيرة النفاذة، والرؤية الصادقة، والعزيمة الخارقة، والشخصية الفذة، إذا جلست معه أحسست من أول وهلة أنك أمام قائد واسع المدارك عالي الأفق عميق المعرفة بحاله وزمانه ودعوته، وإذا حادثته تبين لك صدق لهجته وسعة حجته وعمق نظرته وحجم فراسته وعظم إخلاصه، وزخم حماسته".